خلال زيارتنا الميدانية لبعض المحافظات الجنوبية والتي يتمركز فيها عناصر من تنظيم القاعدة، قدم البعض افتراضات مثيرة لمكونات هذا التنظيم المرعب: الأول يتبع بن لادن، والثاني يتبع الأمن، والأخير تقوده " السي آي إيه"، المخابرات الأمريكية.
لم يتسن لنا بعد الجزم بصحة تلك الافتراضات، إلا أننا وجدنا قصص مثيرة لمن ينبغي أن يكون من أتباع بن لادن، إلا أنهم ليسوا كذلك!
سنكتفي هنا بسرد نموذج واحد لكل من عناصر تنظيم قاعدة المخابرات اليمنية وضحايا المخابرات المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة.
ينتمي أبو بكر جعيول لقبيلة آل باكازم "العوالق السفلى" بمحافظة أبين. ويعد جعيول من المجاهدين المنتمين لجيش عدن أبين الذي أسسه أبو حسن المحضار.
ويتهمه العديد من مقاتلي القاعدة الذين التقا بهم "المصدر أونلاين" بالارتباط بجهاز الأمن السياسي، وأنه وأبو جعفر الطيار من سرّبا الجيش.
ومع أنه من الصعب الجزم بذلك، إلا أن جعيول الذي قام بتفجير مبنى السفارة البريطانية بصنعاء في أكتوبر 2000م، عين مديراً لمديرية المرام بمحافظة عمران في تلك الفترة، ومن ثم قام بالتخطيط والتمويل لتلك العمليات التفجيرية التي وقعت في عدن عشية عيد الميلاد 2002م.
ونتيجة للضغوط التي قامت بها السفارة البريطانية تم اعتقال مدير مديرية المرام أبو بكر جعيول وتقديمه للمحاكمة.
وحكمت عليه المحكمة الجزائية المختصة بالنفاذ المعجل بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً وتغريمه مبلغ وقدره 15 مليون ريال يمني، مع أن محامي السفارة طلب تعويضاً مقدراه 12 مليون ريال، وكان ذلك في 2003م.
وطبقاً للحكم تم إيداعه السجن، وبعد فترة وجيزة تم إطلاق سراحه وتعيينه مستشاراً لمحافظ محافظة أبين.
وفي مايو 2009م كلّفه الرئيس صالح بتشكيل هيئات للدفاع عن الوحدة في محافظة أبين، إلا أنه أعلن وبعد أسبوع من تكليفه انضمامه إلى الحراك الجنوبي أسوة برفيق دربه في الجهاد حسب قوله طارق الفضلي.
لم تنتهِ بعد قصة أبو بكر جعيول، فهنالك الكثير من الأحداث والموقف المثيرة، فأثناء محاكمته بصنعاء بتهمة تفجير مبنى السفارة البريطانية، أورد أحد المتهمين معه في القضية -ويدعى أحمد مسعود شرف- بأنه أبلغ وزير الداخلية حينها، حسين عرب، عن ذلك قبل يومين من العملية، وأضاف بأنه (أحمد مسعود) قام ومعه المرافق الشخصي لوزير الداخلية السابق حسين عرب بالتفجير أمام بوابة منزل عرب بناء على طلبه، وذلك لكي يوجه حسين عرب تهمة محاولة اغتياله من قبل أبو بكر جعيول.
سنتوقف قيلاً عن سرد تفاصيل أخرى عن جعيول وذلك لكي نورد حكاية نموذج لضحايا المخابرات المتهمين بالانتماء للقاعدة:
أنيس العولى، من مواليد مديرية التواهي مدينة عدن 1980م.
اكتفى العولى بشهادة الصف السادس الابتدائي، ولم يتمكن والده من إقناعه بالعودة إلى المدرسة.
لـ"أنيس" عشرون شقيقاً وثلاث شقيقات، ويأتي في الترتيب الحادي عشر بين إخوانه الذين يتولى رعاية شؤونهم حالياً الأخ الأكبر عبدالحافظ بعد أن توفي والدهم الضابط في القوات البحرية.
الفراغ الذي يعيشه أنيس دفعه نحو التسكع في شوارع مدينة عدن ما جعل منه أقوى فتواتها.
"كان شقياً للغاية". قالها شقيقه الأكبر عبدالحافظ، إلا أنه في نظر أشقائه وأصدقائه شهم ولا يقبل بالظلم ويحرص على نجدة الضعيف.
بحسب الكثير ممن التقاهم "المصدر أونلاين" فإن أنيس كان يسخّر قوته لردع من يقومون بالاعتداء على الضعفاء.
في التاسعة عشرة من عمره بدا أنيس مهتماً بالموضة ويحرص على إطالة شعره وعلى ارتداء ملابس تحمل صور فنانين أجانب.
"كان يعود في ساعات متأخرة من الليل". قالها شقيقه "وجدي" واصفاً سنوات المراهقة، وزاد: "لكنه اعتاد على ذلك حتى الآن".
سألت أشقاءه أين يذهب أذن؟ أجابوا: "في المراقص والملاهي الليلية".
هل يشرب الخمر؟
نعم هي عادته.
وماذا بعد؟
يقوم بمنع الفتيات من مرافقة غير اليمنيين. وأحياناً يضطر إلى تهديد العرب المرتادين للمراقص في حال أصروا على اصطحاب الفتيات معهم من المراقص "النوادي الليلية".
ذاع صيته وصار أنيس حديث الألسن، وكانت تصرفاته ومغامراته تلقى استحسان الناس تارة وبغضهم وغضبهم تارة أخرى، في حين نشأت عداوة بينه وبين رجال الأمن وتعرض مرات عدة للاعتقال الذي قال عنه محاميه على العولى بأنه يكون قانونياً أحياناً ومخالفاً للقانون أحياناً أخرى.
في أواخر العام 2001م التقى بشخص اسمه ناصر الشيبة، "يتهمه الأمن بالانتماء لتنظيم القاعدة"، وعرض على أنيس العولي مبلغاً مغرياً مقابل قيامه بوضع عبوة ناسفة في نادي البحارة بالتواهي.
كان أنيس يمر بظروف مالية قاسية. فبحسب شقيقه عبدالحافظ، فإن أنيس قام بالدخول مع أحد أصدقائه في شركة تجارية إلا أن صديقه غدر به وهرب ومعه تلك الأموال التي اضطر أنيس لتسديدها.
عجزه عن التسديد دفعه للموافقة على تنفيذ تلك العملية.
كان موعد تنفيذ العملية هو ليلة رأس السنة في العام 2002م.
فور وصوله إلى مكان العملية ظلت عيونه تحدق في نادي البحارة "ملاهي ليلى" فهو معتاد على السهر ليلياً في هذا المرقص.
على بعد أمتار من بوابة النادي وقف أنيس ينظر إلى البوابة وأصدقاءه وهم يدخلون واحداً بعد الآخر.
شاهده الحارس: "أيش فيك يا عم أنيس الليلة كرسمس وعادك برع!". يدخل لكنه كان متوتراً. ورغم اعتياده على مشاهدة ذلك الصخب إلا أنه كان مرتبكاً ونبضات قلبه ترتفع حدة.
فجأة.. يهرول نحو الخارج دونما استجابة لنداءات تلك الإناث، وينطلق نحو المكان الذي كان ينتظر فيه ناصر الشيبه.
"خذ" قالها أنيس وزاد: "تشتيني اقتل أصحابي!". لم تتم العملية كما شاء لها مخططوها، بل إن ناصر الشيبه اضطر إلى زرعها في المبنى المجاور للمرقص وهو مبنى وكالة الأنباء اليمنية سبأ.
تقول عائلة العولي بأن أبو بكر جعيول هو من كان يقف وراء العملية وأن ناصر الشيبة المنتمي لنفس منطقة جعيول قام بدور الوسيط.
وأن جعيول قام بالكشف عن الأشخاص الذين قام باستغلالهم لتنفيذ مخططه الإجرامي الهادف إلى تفجير كل من: "كنيسة التواهي، فندق كونتنتال، نادي البحارة".
وبناء على ذلك قامت الأجهزة الأمنية باعتقال أنيس العولي، فارس العيسائي، ناصر الشيبة، صالح الدسم"، واتهمتهم جميعاً بالانتماء لتنظيم القاعدة. ورغم كشف ناصر الشيبة عن المخطط الفعلي إلا أنه لم تتم إدانته، وصدر الحكم القضائي بسجن أنيس العولي لمدة عامين ونصف.
عن تلك الفترة يقول أحد المجاهدين المعتقلين حينها عن أولئك الأربعة المعتقلين: العولي، العيسائي، الشيبة، الدسم" بأنه وجد فيهم من الجهل ما الله به عليم".
بعد أن قضى فترة العقوبة يخرج أنيس العولي من معتقله بالسجن المركزي بالمنصورة عدن منطلقاً نحو كل تلك الملاهي الليلية الموجودة في عدن ليعوض فترة انقطاعه عنها حد تعبير أحد أصدقائه.
تمضي الأيام والعولي كعادته. وفجأة وفي مطلع أغسطس الفائت يغيب عن المنزل: "حدث ذلك قبل رمضان بأسبوع". قالها عبدالحافظ.
وفي التاسع من رمضان الموافق 19 أغسطس 2010م، وتحديداً بعد العصر، كان عبدالحافظ يشاهد التلفاز ويقرأ كعادته شريط أخبار قناة الجزيرة التي نقلت على لسان مصدر أمني مسؤول خبراً يفيد بأن اثنين من قيادات تنظيم القاعدة قاما بتسليم نفسيهما للأجهزة الأمنية، والقياديان هما حزام مجلي وأنيس العولي.
جن جنونه. هكذا وصف عبدالحافظ تلك الحالة من الهستيريا التي انتابته حيال قراءته للخبر، ولم يكن بوسعه استيعاب ذلك.
وأضاف المصدر الأمني بأن حزام مجلي سلم نفسه للأجهزة الأمنية في أرحب محافظة صنعاء، وأن أنيس العولي القيادي في التنظيم بمحافظة أبين سلم نفسه للأجهزة الأمنية بصنعاء.
"نحن من عدن" قالها وجدي، وزاد: "لماذا قالوا بأننا من أبين".
بحسب المعلومات التي جمعها "المصدر أونلاين" فإن أنيس العولي غادر إلى العاصمة صنعاء بعد أن تلقى اتصالاً من أحد أصدقائه المقربين وهو غسان مسلم، قائد كتيبة في معسكر الخرافي بالعاصمة.
وقام العولي بالجلوس في المعسكر عند صديقه غسان لعدة أيام، وفجأة قامت قوات من وحدة مكافحة الإرهاب باقتحام المعسكر والقبض على أنيس العولي والجنرال غسان مسلم، والأخير أفرج عنه لاحقاً بعد أن أعلنت الأجهزة الأمنية عن استسلام قيادي في تنظيم القاعدة اسمه أنيس العولي.