[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]31-أكتوبر تشرين الأول-2010
تفاعلات قضية الطردين المفخخين الذين تم العثور عليهما خلال اليومين الماضيين في مطاري دبي و ويستلاندز شمال العاصمة البريطانية لندن لازالت حتى اللحظة في حالة تصاعد مستمرة , سواء على صعيد المعلومات التي تتكشف تباعا أو على صعيد النتائج والدلالات السياسية والأمنية على المستويين الإقليمي والدولي معا.
السلطات الأمنية في المملكة العربية السعودية كانت صاحبة الفضل الأول في الكشف عن الطرد البريدي الذي أرسل من صنعاء على متن طائرة الخطوط الجوية القطرية المتجهة إلى الدوحة أولا ثم دبي ثانيا – حيث اكتشف هناك – قبل ان يصل إلى مدينة شيكاغو الأمريكية في محطته الأخيرة قاصدا " معبد يهودي " بحسب عنوان الجهة المرسل إليها ! فيما تولى البريطانيون أنفسهم عملية الكشف عن الطرد الثاني وتفكيكه والذي كان على متن " طائرة الشحن " اليو بي اس مرسلا إلى ذات الجهة أيضا في شيكاغو !
لا شك أن هذه العملية الأمنية الخطيرة يكتنفها الغموض ويلفها من كل جانب , ولأنها كذلك – وهي لا يمكن إلا أن تكون غامضة في جميع الأحوال – فإن عدد لا نهائي من الأسئلة المنطقية سوف تطرح نفسها على سطح هذه القضية وملابساتها العامة , وفي إطار بحثها عن إجابات مقنعة للعقل لا تلبث هذه الإجابات ان وجدت الا وتطرح عددا غير قليل من الأسئلة الأخرى , شأنها في ذلك شأن أي قضية أمنية جرت أحداثها وانتهت وقائعها دون ان تنتهي بالكشف الكامل عن ملابساتها او دون ان تتوصل أطرافها المعنية بها إلى " الحقيقة الكاملة " .
لكن السؤال المهم من وجهة نظري الشخصية والذي يحمل الكثير من المعاني والدلالات السياسية والأمنية معا هو ذلك الذي يقول : لماذا اختارت السلطات الأمنية السعودية أن " تتكتم " على معلوماتها المهمة والخطيرة التي كشفت هذه العملية برمتها وأحبطتها لتكشف عنها في الوقت المناسب فقط للجانب الأمريكي وربما الإمارتي وفضلت حجبها عن الجانب اليمني بشكل كامل ؟ ! الأمر الذي أثار امتعاض رئيس النظام اليمني في مؤتمره الصحفي الذي عقده في ساعة متأخرة مساء أمس على اعتبار ان ذلك قد وضعه في موقف محرج ومريب للغاية أمام المجتمع الدولي ! .
في ظني ان السلطات السعودية قد درست مختلف الخيارات التي يمكن ان تتعامل بها مع تلك المعلومات الخطيرة التي حصلت عليها بشأن الطرود المفخخة , ثم فضلت - لعدة أسباب سوف أتطرق إليها - ان تطلع الأمريكيين وحدهم دون ان تشرك السلطات اليمنية في اي مرحلة كانت , الاطلاع عليها وهي التي امتلكتها بطرقها ووسائلها الخاصة من قلب العاصمة صنعاء وربما من داخل مكاتب الأجهزة الأمنية ذاتها ! .. وبالحديث عن الأسباب التي جعلت الجانب السعودي يتعامل مع الحدث بتلك الطريقة يمكن تلخيصه بما يلي :
أولا : من الواضح جدا أن السلطات الأمنية السعودية " لم تعد تثق " بنظيرتها في صنعاء حتى تضع على طاولتها تلك الحزمة من المعلومات الدقيقة والهامة , اما خوفا على مصادرها الخاصة , او خشية من استخدامها بطريقة خاطئة من قبل النظام , او لسبب وجيه آخر يتعلق بأن جزء من تلك المعلومات قد يقود الى ثبوت " تورط " جهات رسمية للنظام في تلك العملية وتعاونها مع منفذيها , وإلا كيف يمكن للنيجيري عمر الفاروق ان ينفذ من أجهزة الفحص الأمني في مطار صنعاء دون اكتشاف القنبلة التي كانت مخبأة في " ملابسه الداخلية " كمثال سابق على ذلك !!
ثانيا : ان كشف تلك المعلومات الى السلطات الأمنية في صنعاء ( الأمن القومي ) سوف يتمخض عنه بالضرورة طلب سياسي رسمي بضرورة " التكتم التام " على تلك المعلومات وعدم الحديث عنها أو إفشاءها دوليا باعتبارها خطرا تم القضاء عليه في مهده قبل أن يتفشى سره ويظهر إلى وسائل الإعلام , وعملية التكتم على الحدث والقضاء عليه بصمت ليس من مصلحة السعودية من الناحية الأمنية ولا السياسية أيضا.
ثالثا : تريد السلطات السعودية – وهذا من حقها – أن تحقق مكسب سياسي وأمني في وقت واحد , تثبت من خلاله بالملموس للمجتمع الدولي " فعالية ومقدرة " أجهزتها الأمنية على تعقب الإرهاب حتى ولو كان خارج نطاق حدودها الجغرافية , ووأد محاولاته الإرهابية في مهدها , إضافة الى تأكيدها للعالم ان لديها إرادة سياسية " حقيقية " جادة يجري تسخيرها لمحاربة الإرهاب والتعاون في القضاء عليه مع مختلف القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية .. وفي هذا الجانب أرى ان المملكة العربية السعودية قد حققت ما أرادت بالمطلق , وأنها جنت ثمار اجتهادها ومثابرتها ويقظة أجهزتها الأمنية والاستخباراتية .
رابعا : بحكم أن السعودية جارة لليمن ولها مع هذه الدولة شريط حدودي طويل طالما كان مصدر قلق وخطورة أمنية لهذه الدولة , فهي تريد أن تقدم للعالم اجمع الدليل الدامغ الذي يفيد ان نظام صنعاء " نائم " وفي سبات عميق فيما يخص مجابهته للإرهاب في أحسن الأحوال , بل إن لديها ما يمكن ان تثبت به ان النظام اليمني بات شريكا لهذا الإرهاب من خلال " تعاون " بعض أركان النظام نفسه كشخصيات نافذة في مؤسسات أمنية او عسكرية ! وإلا كيف يمكن للجارة الكبرى ان تحصل على معلوماتها تلك التي لم تقدر على جمعها أجهزة أمنية دولية تقدر موازنتها المالية أضعاف موازنات عدد من الدول النامية مجتمعة كوكالة المخابرات الأمريكية ( سي آي ايه ) على سبيل المثال . ان سر ذلك يعود إلى حقيقة ان المملكة العربية السعودية باتت تفهم وتحفظ عن ظهر قلب تركيبة النظام السياسي في اليمن وتعقيداته الاجتماعية وكيف تتعامل معها , وهي بذلك تملك المقدرة على " فهم " حقيقة ما يحدث هناك على وجه الدقة على جميع الصعد والمستويات .
إن تلك العوامل او الأسباب الأربعة مجتمعة كانت المحدد الرئيسي لطبيعة السلوك الأمني السعودي مع نظيره اليمني في قضية الكشف عن الطرود المفخخة ! لكن السؤال الهام الذي سيطرح نفسه في هذه الجزئية تحديدا هو هل ستقبل صنعاء بهذه النتيجة المذلة لها وتتقبلها بصمت كامل ؟!
وفي سياق آخر لهذه القضية .. يبدو واضحا ان المجتمع الدولي حتى وإن لم يقتنع حتى الآن لأسباب نجهلها بضلوع أركان من نظام صنعاء في تغذية الإرهاب والتعاون معه لتحقيق أغراض سياسية واقتصادية وأمنية لم تعد خافية على أحد , الا انه قد توصل إلى قناعة تامة تفيد ان هذا النظام لم يعد " قادرا " على تحقيق الحد الأدنى مما هو مطلوب منه أمنيا إزاء هذه الآفة الدولية ( الإرهاب ) , ومن هنا فان مطالبة مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب من رئيس النظام في صنعاء أثناء مكالمته الهاتفية معه بشأن حادثة الطرود ما أسماه ضرورة " التعاون الوثيق " ستكون عاملا حاسما في الكشف عن جميع ما يكتنف دور تنظيم القاعدة في اليمن وعلاقاته وتحالفاته مع أركان وأجهزة أمنية متعددة ! اذ أن عبارة " التعاون الوثيق " تعني بشكل او بآخر قبول التدخل العسكري والأمني والاستخباراتي الأمريكي في اليمن بصورة مباشرة وعلنية , وهو ما أربك الرئيس وجعله يرفضه في مؤتمره الصحفي الأخير ! فكيف سيكون تصرف واشنطن وحلفائها الدوليين والإقليميين إزاء هذا الرد ؟.
* قيادي في الحراك الجنوبي
- وكالة أنباء عدن