كما يأتي الهوى من عدن تأتي النار أيضاً ..هي من أحبّتْ وهي من كرهتْ .. وهي ربما من سيدفعها الجميع لممارسة الانتقام .. ربما لمجرد الانتقام ، وإن كنا نربأ بهذه الحالمة أن تنخرط في دوامة العنف ، أو أن تسلك مسالك الأشباح .
تربض عدن "البُركانية" بضم الباء لا بفتحها على خليج جميل هو الخليج العربي . فأما ذلك المتفاوت عليه والذي تطلق عليه دول مجلس التعاون الخليجي (الخليج العربي ) والذي تسميه إيران (الخليج الفارسي) فهو محل تساؤل إذ أن المنطق يقول بأن التنازع على التسمية على هذا النحو يُبقى المسألة رهناً لعلامة استفهام كبيرة تاريخية .. ليس هذا شأني ولكن المؤرخين أنفسهم منقسمون ومختلف فيهم وعليهم ، وقد انعكس ذلك على ماهو معاصر من حياتنا بيد أني لا أخفي ظني الذي يوشك بلوغ اليقين بأن خليج عدن هو الخليج العربي بلا منازع . إنه مجرد تفكير بصوت عال ولا علاقة له البتة بمشروع الجنوب العربي الذي تطلقه بعض تشكيلات الحراك الجنوبي في الداخل والخارج.
ثمة ظنون تراود بعضُهم بأن عدن باتت ترفض التغيير لأنه اقترن في مخيالها بالزحف .. الزحف بأنواعه ومراحله .. منذ زحف الاستعمار الذي فرض عليها نوعاً من العزلة عن المحميات الأخرى التي كان يُنظر إليها على أنها خطر على هذا الموقع والميناء الاستراتيجي ، إلى الزحوف المتوالية من الهند والصومال وصولاً إلى زحف الشمال والجنوب على حد سواء للعمالة فيها ولإدارة دفة الأمور وتسنم هرم السلطة ، بوصفها عاصمة للجنوب . ثم مساحة للفيد و(سمّ ) الهواء .
ولئن كان تنازل شريك الوحدة عن منصب الرئيس ربما يُعد بوجه من الوجوه تنازلاً يخص قائداً بعينه هو علي سالم البيض فإن تنازله عن العاصمة ضمن مشروع الوحدة لم يكن على نفس الشاكلة ، فعدن المدنية تحولت من عاصمة للجنوب إلى عاصمة (اقتصادية) بالفصحى ، وعاصمة " للجُيوب " بالعامية ، وإن كان هذا في نظر بعضهم خطأ تكتيكياً قياساً بالخطأ الاستراتيجي المتمثل بالاندفاع نحو وحدة اندماجية يعبر المندفعون اليوم عن حنقهم منها .. ولكننا بالنتيجة حافظنا على صنعاء عاصمة قبلية وخسرنا عدن كعاصمة مدنية ، ولا نزال نضربها في أهم قيمها المدنية بتحويلها نهباً للمتحاربين على اختلافهم.
ومن المعروف أن عدن لم تخض حرباً مع أحدهم بل كانت ولاتزال ساحة لحروبهم ومادة لغنائمهم . لا بل إن حل مشاكل المتحاربين شمالييهم وجنوبييهم يتم بواسطة الحق العدني دون أن يلتفت أحدهم إلى مشكلات عدن نفسها والتي تتراكم ككرة ثلج في منطقة (بُركانية) منذ تأميم الأموال وحتى تسميم الأجواء .
وبالرغم من أن عدن باركت منذ وقت مبكر مسيرة الحراك الجنوبي السلمي وخرجت معبرة عن قضية جنوبية عادلة إلا أنها ما لبثت أن تحولت إلى مادة مختلف بها وعليها ، وقفزت هذه العاصمة إلى سطح الخلافات الجنوبية وهي لم تهضم بعد أجواء الاختلافات الشمالية على أراضيها ومينائها ومواقعها السياحية ، بل إنها لا تزال عملياً تحت تأثير صدمة (الاجتياح) بلغة الواقع أو صدمة (الفتح) بلغة قوات الشرعية في صيف 94م.
إنها مدينة تهضم وافديها وتخلّقهم بقيمها لو أرادوا ، ولكنها لا تهضم أي وافد يريد أن يحولها من مدينة إلى (ضيعة) ، ولذلك فإن أحداً من كل هؤلاء المتخاصمين لم يفهم ولا يريد أن يفهم ماذا تريد عدن وماذا يريد العدنيون ؟!.
صفوة القول :
إن عسكرة عدن على النحو الراهن هو أخطر زحف في تاريخها ، وهو من سيدفع بُركانها للفوران ، لأن هذه المظاهر تستهدف التمدن الذي هو روح عدن .. هكذا يقول : (عيال الحافة) ويقولون أيضاً -لو شئتم أن تسمعوا- بأن الإصرار على خليجي 20 بطريقة احتلال ربما سيقطع شعرة معاوية . ويقولون أيضاً : بأن الأعياد تمر عليهم بثقل كالجبال .. ونحن اليوم على أبواب عيد الأضحى المبارك .
ومع أن الوافدين إلى عدن في الأعياد قلّوا في الآونة الأخيرة بسبب عدم الاستقرار الأمني الذي لا يمكن حجبه عن أنظار الداخل والخارج، إلا أن عقل حكومتنا قلّ أكثر منهم لأنها تعتقد بأن تغيير لوحات السيارات للتمويه عن هوية المحافظة الآتية منها سيحل المشكلة وسيأتي للقبيلي بتأشيرة دخول إلى المدينة .
و "أن تسمع عن المعيدي خيرٌ من أن تراه" . . أليس كذلك ؟!.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] عن صحيفة اليقين الأسبوعية