بقلم : عبد الرحمن احمد عبده 03 / 12 / 2010
انها كرة قدم ليس الا ! .. لكن لأن اللعب يشمل كل شئ في هذه البلاد ، فقد أختلطت الأمور في تنظيم وإقامة بطولة خليجي عشرين التي لا يهتم بها فقط جمهور الكرة في الخليج بل ساسته وقياداته باعتبارها لعبة رياضية تصرف لها الملايين بل المليارات ، فكما هي رياضة ، هي ايضاً عامل يلهي الجماهير لتصرف انظارها عما يجري في الشأن السياسي والاقتصادي .
منذ البداية ارادت السلطة لهذا البطولة ان تكون تحد سياسي وأمني واختبار لاثبات سيطرتها على الجنوب ، وبالمقابل رأى فيها الحراك الجنوبي فرصة لإعلاء صوته ليس فقط محلياً بل وخليجياً ولم يخف بعض قادته ان لم يكن أغلبهم سعيهم لإحباط اقامتها في اليمن ليوجه رساله الى الخارج تعريفاً بقضيته وإثباتاً لتواجده في الميدان .. وهكذا كانت كانت اللعبة سياسياً !
القبضة العسكرية الأمنية للسلطة كانت بالمرصاد لإي تحرك سياسي جماهيري معارض من قبل الحراك ، فقد قطعت الطريق بالقوة على الافراد والجماعات من القدوم من نقاط الحراك الساخنة في لحج والضالع الى عدن واقيمت البطولة تحت ظلال البنادق والتحليق شبه اليومي للمروحيات في سماء عدن وابين وانتشار أمني كثيف لم تشهده مدينة عدن من قبل وهي حالة لا حرب !
قررت السلطات مسبقاً ـ وكما يبدو وضمن خطتها الأمنية ـ ان تلجأ لاسلوب الاعتقال لأي من تشتبه في نيته استغلال ايام خليجي عشرين للتعبير الاحتجاجي او التظاهر وخاصة من قبل الحراك الجنوبي ، فاعتقلت القيادي حسن باعوم ـ الذي زار عدن قبيل البطولة الرياضية ـ الى جانب قياديين آخرين ، بل ان الاجهزة الامنية لم تقدم على اعتقاله وزملائه إلا بعد ان خرجوا من مدينة عدن واثناء محاولتهم دخول الضالع ، كما وقع في الاعتقال المحامي والناشط في الحراك عارف الحالمي في عدن دون ان يكون هناك مبرراً ، كما قررت السلطات الاستمرار في ابقاء معتقلين سابقين على ذمة الحراك حتى انتهاء البطولة . لكن هناك اعتقالات تمت لعدد من نشطاء الحراك الجنوبي اثناء محاولاتهم التظاهر في حي صلاح الدين في البريقة خلال ايام الاولى لخليجي عشرين .
رمت الدولة بكل ثقلها وأجهزتها العسكرية والامنية والمدنية وتحولت معها مدينة عدن ساحة لادارة معركة خليجي عشرين ، ابتداءاً برئيس الدولة ونائبه ورئيس حكومته وسلطته المحلية ، وفتح صنبور خزينة المال العام عن اخره لإنجاح الاستضافة واستيعاب كلفة ثلاثين الف جندي وعشرة الاف مخبر وألاف المشجعين ، وصاحب كل ذلك ايضاً فساداً وعبثاً باموال الدولة فاحت رائحته منذ البداية ، وستتكشف فضائح بعد الانتهاء من البطولة !
كانت كل أجهزة الدولة حريصة على ألا تظهر اية عيوب في المنشآت الرياضية والايوائية وادارة متطلبات البطولة فالرئيس ونائبه والوزراء شوهدوا لمرات عديدة ولايام متتالية وهم يزورون الفنادق والملاعب وبقية المنشآت مع الحرص على إخفاء علامات عدم الرضا أمام الكاميرات حتى اليوم الاول للبطولة ، لكن كل ذلك كان يعكس عدم الثقة في من يدير الامور على الميدان لأسباب عديدة .
قيل ان الرئيس قبل البطولة أمر بتغيير قيادة اللجنة الامنية لخليجي عشرين التي كان يتولاها نائب وزير الداخلية وكلف وزير الدفاع بالقيام بتلك المسئولية ، بعد ان ترددت إشاعات عن خلافات على الاستحقاقات المالية بين افراد قيادة اللجنة الأمنية المكلفة في البداية ، حد تعبير مسئول أمني تحفظ عن ذكر اسمه !
قبل وأثناء البطولة صار اعتيادياً مشاهدة ناقلات الجنود والعربات العسكرية المصفحة وهي تعبر الشوارع الرئيسية وانتشار الجنود حول المنشآت الخاصة بالبطولة ، وبدا المواطن في الشارع غير مبال بما يراه عدا التعليقات الساخنة والساخرة مما يصاحب فعالية رياضية من مظاهر عسكرية كثيفة ! .. "أمن اليمنيون عدن ، لكنهم لم يأمنوا مرمى فريقهم" حد تعبير معلق قناة ابوظبي الرياضية .
كان واضحاً التحشيد الرسمي وتوفير كل سبل انجاحة لاحضار الجماهير الى الملاعب ـ وهو أمر استهواه كثيرون ـ فباصات نقل الركاب كانت جاهزة لنقل المشجعين الى ملعبي 22 مايو بعدن و الوحدة في ابين بالمجان ، كما توافد مشجعون من المحافظات على حساب الحكومة وبتكليف رموزها في تلك المناطق لإحظارهم ، وبدا جلياً ان قراراً رسمياً أتخذ لحضور وزراء ومسئولين لمشاهدة المباريات في حين قد تكون هذه المرة الاولى التي يحضرون فيها الى ملاعب الكرة !
في يوم الافتتاح أحتشد عشرات الالاف في ملعب 22 مايو ، ورغم النجاح في المسار الرياضي يومها كان الاخفاق سيد الموقف في اللوحة الاستعراضية التي أصابت الجماهير في الملعب والمشاهدين في منازلهم بخيبة كبيرة ، فقد أعلن المكتب الفني للوحة انه يقدم استعراضاً فنياً ، ولكنه قدم ما يشبه بياناً سياسياً سطحياً بدا جلياً في كلمات اللوحة ومضامين المشاهد المصورة المعروضة على شاشة العرض في الملعب ، وهنا أخفق الشاعر عباس الديلمي وبدت الحان الدكتور الفنان عبد الرب ادريس متواضعة وبدا المخرج صفوت الغشم مرتكباً في تحريك 1500 شاب وشابة ، فشاهدنا ازدحاماً على ارض الملعب ، لم يكن النجم الوحيد خلاله سوى الطفل الذي كان يعرض مهارته في كرة القدم ولعل ذلك فقط ما كان متصلاً بمضمون البطولة !
تحولت عدن فعلا الى لوحة مزينة بالاضواء ورصفت طرقها وطليت واجهات مباني شوارعها الرئيسية وبرز جمال المدينة واضحاً بعد إهمال طويل وهي المؤهلة لأن تكون أجمل مما هي عليه بكثير ، وباتت قناة عدن / يمانية تتغني بمدينة الفل والبخور لاغير ! في حين أخفق ما رتب له مسئولو المدينة في خطة النشاط الثقافي المصاحب للفعالية ، وعموماً الثقافة ليست ضمن الاولويات واهتمامات أحد !
مثل مجيء الخليجين الى عدن مغامرة سبقها الخوف من مخاطر بلد يعج بالمشكلات المعقدة والتوتر والاحتقان السياسي والوضع غير الآمن ، وصاحبها مشاركة أصابتها أمور لم يألفوها .. عسكر ومظاهر مسلحة في كل مكان وسيارات نجدة تسبق مواكبهم الرياضية وحرص شديد ومبالغ بألا تقع لهم اية منغصات وجماهير حضرت تناصرهم وليست فقط تشجع فريقها اليمني !
بعد ان انجلت اية مخاوف من اخلالات بأمن البطولة ـ كما يبدو حتى الان ـ بفضل ارادة سياسية وامنية عسكرية مفرطة لم يعد الشعور بالاخفاق وارداً ، ولعل ما ساعد ذلك طبيعة المدينة وناسها التواقون لما يبهج وهم الذين لم يعشوا لسنوات لحظات بهجة وإن كانت عابرة ـ مثل التي يعيشونها الان ـ لا تتجاوز أسبوعين ، وتأمين متطلبات رئيسية عديدة كوفرة المياه وامدادات الكهرباء دون انقطاع ، بالطبع عدا الغلاء المتزايد الذي لا يراقبه احد من المعنيين فرضا بمعيشة المواطن وهنا يسأل مواطنون من عدن : هل يا ترى ستستمر امدادات المياه والكهرباء دون انقطاع بعد خليجي عشرين ؟!
خاض فريق النونو وستريشكو ثلاث مباريات حصلوا منها على صفر من النقاط بعد ان كان المنتخب اليمني مشهورا بفريق ابو نقطة ، فصار محط انظار الجميع حتى مجلس النواب انبرى للسؤال عن الحال وعن الملايين التي صرفت لاعداد منتخب عباد والعيسائي وراتب المدرب ستريشكو الخمسة وثلاثين مليون ريال ! كن نواب الشعب لم يسألوا عن كلفة تنظيم واقامة البطولة التي فازت فيها العسكرة واخفق اللاعبون !
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]*