عمد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح منذ تحقيق الوحدة بين الدولتين: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م إلى تشويه تاريخ شعب الجنوب ووصمه بالسوداوية والصراعات الدموية البشعة, ثم عمل بعد احتلاله للجنوب عام 1994م على تدمير هذا التاريخ ماديا ومعنويا, غير أن عمق تاريخ وحيوية شعب الجنوب استطاعت التغلب على السياسة الاستعمارية التي يتبعها الرئيس اليمني, من خلال النهوض من جديد باختيار أفضل الأساليب النضالية الهادفة إلى تحقيق الاستقلال الوطني الناجز. فجاءت محاضرته يوم الاثنين 20ديسمبر 2010م في جامعة عدن لتفصح عن عدة توجهات أراد تحقيقها.. سنقوم هنا بوضع رؤية تحليلية لهذه التوجهات في المحاور التالية:
أولا: بعد أن كان منذ أكثر من عشر سنوات لا يزور عاصمة الجنوب عدن إلا مثلها مثل أي محافظة جنوبية مع أنها تعتبر حسب اتفاقيات الوحدة عاصمة اقتصادية وتجارية وعاصمة شتوية لدولة الوحدة, ولكن هذه الصفة تم تجاهلها بعد استقرار الأوضاع له في الجنوب, فأراد هذا العام أن يوجه رسالة للقيادات الجنوبية في الخارج والداخل أنه موجودا في عاصمة دولتهم رغما عن انفهم, وللعالم الخارجي أن الأوضاع تحت السيطرة في عدن لما لها من رمزية تاريخية وسياسية بالنسبة للجنوب, ومواصلة لفرض القبضة الحديدية عليها بعد خليجي 20 .
ثانيا: كان دائما يردد أن الجيل الجديد في الجنوب سوف يكون جيل الوحدة.. جيلا مستكينا للاحتلال, لكن هذا الجيل أثبت انه كان العماد الرئيسي للثورة السلمية الجنوبية, ولاسيما طلاب وطالبات ومدرسي ومدرسات جامعة عدن, فالشباب هم القوة الضاربة لأي ثورة, ولهذا تركيزه على جامعة عدن وكلياتها هو بهدف النيل من أهم قوة للحراك الجنوبي وفي أهم معاقله.
ثالثا: تركيزه أن القيادة الجنوبية كانت وراء الوحدة الفورية هي توصيل اعتقاد للطلاب والطالبات في جامعة عدن بأن الأوضاع الصعبة التي تشكون منها وتقول لكم القيادات الجنوبية أن الوحدة سببها, أن هذا الوحدة كانت تلبية لمطالب تلك القيادات الجنوبية, وهي مسئولة عنها أما نحن غير مسئولون عنها. وهي رسالة للخارج في نفس الوقت.
رابعا: عادة يربط انقلاب 26سبتمبر بثورة 14 أكتوبر, مع أن الأول انقلاب عسكري على سلطة شرعية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, فحتى الصحافة المصرية ظلت تطلق عليه لفترة طويلة أحيانا الانقلاب العسكري وأحيانا انقلاب السلال. أما ثورة 14 أكتوبر, فهي ثورة مسلحة ضد مستعمر أجنبي واستمرت لمدة أربع سنوات, وتستمد حتمية شرعيتها كثورة مما ذكرناه أنفا ومن التغييرات التي أحدثتها بعد الاستقلال, فالثورة تعني التغيير الجذري لأوضاع المجتمع الذي قام بها. أما ما يطلق عليها جزافا ثورة 26 سبتمبر فقد انتهت مشروعيتها لعدة أسباب من الصعب سردها في حيز كهذا.
خامسا: الوحدة الوطنية الرائعة التي يرسمها كل مواطني شعب الجنوب بكل أطيافهم السياسية والفكرية وقدرتهم على تناسي خلافاتهم السابقة, وتمسكهم بمبدأ التصالح والتسامح والتآخي والعمل به وتأييدهم الواضح للحراك السلمي الجنوبي بما فيهم العناصر التي كانت لاجئة لدى نظام صنعاء أو في دول أخرى منذ فترة ما بعد عام 1967م, التي نجدها اليوم انحازت لوطنها وشعبها, أراد تشويهها وتحميلها مسئوليات تاريخية بأنها كانت وراء شن حربي عام 1972/ 1979م ضد شعب الجنوب, وهو بذلك يريد تبرئة دولته عن هذين الحدثين العدوانيين, وبالمقابل تصوير تلك القيادات الجنوبية بأنها هي المسئولة عنهما وكانت عميلة واستلمت الأموال المدنسة, وباختصار أراد القول أن كل القيادات الجنوبية دموية. والحقيقة التي لا تقبل الشك أن كلمة الرئيس صالح بينت بوضوح انزعاجه من تقارب الجنوبيين. وهذا دليل على صحة الخط الذي يسلكونه, فإذا وجدت الطرف الآخر يشوه مسيرتك فأنت تسير على الصواب. وإذا امتدحك فأنت تسير على الخطأ.
سادسا: كم هو مفيد أن يقرا أخواننا الجنوبيون الموجودين في السلطة ما جاء بين سطور هذه الكلمة من إساءة للعناصر التي كانت موالية لسلطات صنعاء في الماضي,وأنهم سوف يوصفون ذات يوم بنفس الأوصاف غير المشرفة. فما يقصد به الرئيس صالح عن القيادات الإعلامية التي كانت تقود الإعلام في صنعاء بغرض شن الحرب على الجنوب عامي 72/79م ووصفت الرئيس الشهيد عبد الفتاح إسماعيل رحمه الله بأنه الأمين غير الأمين. المقصود بهذا الوصف هو المناضل الجنوبي الكبير الأستاذ/ محمد سالم باسندوة الذي كان وزيرا للإعلام في بداية عهد الرئيس صالح, ثم وزير خارجيته أثناء حربه على الجنوب عام 1994م, ورغم تاريخ الرجل المشرق وما قدمه للرئيس صالح وفي أحلك الظروف, لم يشفع له لمجرد انه هذه المرة رفض أن يكون ديكورا في رئاسة لجنة الحوار الوطني المزعومة واقر بمطالب شعب الجنوب المشروعة. فكيف لو أن الأخ الفريق الركن/ عبدربه منصور هادي نائب الرئيس أو الدكتور علي محمد مجور رئيس الوزراء, أو غيرهم من الجنوبيين في السلطة اتخذا موقف ما.. ماذا سيقول عنهم؟ إن كل جنوبي إذا لم يكن ضد شعب الجنوب هو خائن.
سابعا: الرئيس صالح من صفاته أنه يصنع لذاته بطولات خارقة, فقد كان يردد أنه بعد أن رفض الجميع تحمل مسئولية قيادة الدولة في صنعاء عام 78م وضع رأسه على كفيه ليتحمل المسؤولية, ولكن مذكرات كل من الشيخين سنان أبو لحوم وعبدالله بن حسين الأحمر أكدت بأنه ترجاهما ليصبح رئيسا, ولكنهما رفضا, ففرض عليهما من قبل السلطات السعودية والمخابرات الأمريكية, وفي كلمته هذه أجاء لنا بملحمة جديدة بأنه بينما كان متوجها للقاء بقيادة الجنوب بان الجنود اعترضوه في يريم لأن الدماء تسفك في عدة مناطق ذكرها.. فهل يعقل أن جنودا يعترضوا رئيسا؟؟ وأنه كان سيتعرض هو والقيادة الجنوبية للاغتيال أثناء لقائهما سوى في صنعاء أو عدن, والحقيقة أنه زار الجنوب في نوفمبر عام 1981م وكان الرئيس علي ناصر محمد في هذه الفترة يسير في شوارع عدن بمفرده, ولم يكن مستهدفا, وأن الرئيس صالح عندما زار الجنوب اندهشت القيادة في عدن من كثرة حراسته وكانت معترضة على ذلك العدد الهائل من الحراس لولاء الأعراف الدبلوماسية, وذهب إلى حضرموت وكانت الأوضاع في الجنوب آمنة لأنها تحكمها مؤسسات دولة.
ثامنا: مع أن الرئيس صالح يقول أن الوحدة جبت ما قبلها وتم دفن خلافات الماضي ويدعو للتصالح والتسامح, ولكن هذه الدعوة بما يخدمه, أما بالنسبة لشعب الجنوب وقياداته فهي محرمة, ولأنه يرى في نشاطات وتحركات الأخ الرئيس علي ناصر محمد ما يخدم قضية شعب الجنوب, فقد اعتبر أحداث 13 يناير 1986م أبشع جريمة بحق شعب الجنوب, ووجه بإقامة ندوة حولها وتوثيقها, وهو بذلك يريد توجيه رسالة للرئيس ناصر, والحقيقة أن شعب الجنوب تجاوز هذه الإشكالية, لأننا جميعا مسئولون عنها وليس الرئيس ناصر وحده لا في حدوثها وإنما في المبالغة عن عدد ضحاياها الذين لا يتجاوزوا( 3500) شهيد من كل الأطراف, وهذه الأحداث ليس أكثر بشاعة من حرب التصفية العرقية في صعده التي راح ضحيتها أكثر من ( 50000) خمسين ألف جندي ومواطن.
تاسعا: استهداف الرئيس العطاس من قبل الرئيس صالح هو الآخر نتاج لعدة أسباب, وأولها التحرك والنشاط الدائم للرئيس العطاس لصالح قضية شعبه , وثانيا, تقاربه الوثيق مع الرئيس ناصر, وثالثا, بغرض تشويه موقفه الرافض للوحدة, بأنه نتيجة لرفض صالح السماح له بالتوقع معه على الوحدة, ولكن الحقيقة أن الرئيس صالح يدرك أن الرئيس العطاس هو الرئيس الدستوري والشرعي للجنوب وان اتفاقية الوحدة باطلة لأنها تمت بدون موافقته. ومن حقه وحده اليوم أن يقود نضال شعب الجنوب لنيل حريته,واستعادة دولته(ج.ي.د.ش) وبالمناسبة الرئيس صالح دائما يذكر الجنوب العربي ويفرح عندما يسمع البعض ينادي بالجنوب العربي, فهم ينادون بمصطلح غير معترف به.
عاشرا: حاول الرئيس صالح إظهار الحزب الاشتراكي اليمني وكأنه مازال ممثلا للجنوب مع أن الحزب بذاته اعترف بأنه لم يعد كذلك, وكثير من أعضائه في الصفوف الأولى للحراك, وقيادته دعت قواعدها للإنخراط في الحراك, وهو بذلك لا يريد الاعتراف بالحراك الجنوبي كقائد فعلي لنضال شعب الجنوب, ونجده يدعو للحوار, ولكن مع إغفال شعب الجنوب, ثم يوضح أن المدعوين للحوار هي أحزاب اللقاء المشترك, ولأجل السير في الانتخابات النيابية القادمة, ومثل هذه الدعوة لا تعني شعب الجنوب لا من قريب ولا من بعيد. وجاء الرد من الرئيس علي ناصر محمد في تصريحه يوم أمس والذي دعاء فيه وبصورة صريحة شعب الجنوب إلى مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة, وبهذا تكون هذه الدعوة قد عبرت وحدة رؤية قيادات شعب الجنوب في الداخل والخارج. والعمل بها سوف ينقل نضال شعب الجنوب إلى مرحلة جديدة.
الحادي عشر: دائما يقول الرئيس صالح أن القيادات الجنوبية تعودت كل فترة بأن تقدم على وجبة دموية. وهذا ما شوه تاريخ شعبنا وقياداته, وهو يعتقد أن قيادات ومثقفي شعبنا لا يدركون الصراعات الدامية التي شهدتها الجمهورية العربية اليمنية, ولكنهم كانوا يتجنبوا مثل هذا المنزلق لأنهم يرون فيه قد يكون إساءة لتاريخ شعب شقيق, ولأن الرئيس صالح تحدى أن يتم عقد ندوة على ما قاله, نقول له لقد قررت قيادات ومثقفي شعب الجنوب إقامة ندوة تقدم مقارنة بين الصراعات التي شهدتها الدولتان والجرائم التي ارتكبت من قبل قيادة الطرفين بحق الإنسانية, وستكون من بين محاورها أحداث أغسطس الطائفية ومصير قيادات الناصرين والتفريط بالأراضي والجزر... الخ من الملفات البشعة. والبادئ اظلم. والله من وراء القصد.
المواطن الجنوبي/ محمد الحميدي