جدلية المصلحة بين الوحدة وفك الارتباط
حسن أحمد بن عقيل الحامد
بعد حرب صيف عام 1994م التي شنها الشمال على الجنوب والتي أنهت الوحدة الموقعة بين الدولتين عام 1990م , صار التفكير في أي حديث عن مشروع لإعادة صياغة تلك الوحدة إنما ينطلق من لغة المصلحة على الرغم من إن هذا الأمر قد صار مرفوضا مع مرور الزمن وأفول الأمل لدى أكثر الجنوبيين , لان الجنوب قد حسم أمره وأيقن أن مصلحته تكمن في استعادة دولته .
أما الشمال الذي لا يمكن أن يفرط في هذه الوحدة لان مصلحته تقتضي الحفاظ عليها فهو يراوح ويسلك كل السبل من أجل بقاء الجنوب تحت تصرفه , هذا السلوك وان كان موجها من قبل عناصر النفوذ إلا انه محاط بغطاء جمعي تحت شعارات ثقافية واقتصادية سواء على وقع الخطاب الديني أو بأساليب التجويع الممنهجة .
لذلك نسمع أصواتا تتعالى تنادي بالحفاظ على الوحدة وصونها باعتبارها قوة ومنعة تتمشى مع تعاليم الدين , وتحذر من الفرقة والتجزئة التي تقود إلى التهلكة , وهي مصلحة تنشدها جهة بعينها تعبر عنها بفكرة تتسق طرديا مع واقع مؤدلج فرضته ثقافة تراكمية وتعاطت معه السياسة وظيفيا على الأقل في مرحلة زمنية ربما لن تعود مناسبة في غيرها , في ظروف مفروضة لتمرير مشاريع كبرى هلامية تتأبط نزعات تسلطية , وهي في النهاية مصلحة مغلفة يسكنها ذوو النفوذ . وقد لاقت هذه البضاعة رواجا لدى مجاميع من الجنوبيين الذين صاروا يدافعون عن مراكز النفوذ التي تتمترس خلف الايدولوجيا المسوقة ( بكسر الواو ) لتلك المصلحة ويقدمون لها خدمات مجانية تحت تأثير تلك الايدولوجيا .
وإذا كان ثمة تحذير من عدو يستوجب الوحدة , فان هذا العدو بتقاطع مصلحي قد صار صديقا أو هو اقرب بل كان له الفضل في أعادة تأهيل تلك الثقافة ووصولها , أما اختلاق عدو جديد فهو ضرب من الوهم فلا فرق بين شيعية منحرفة وتكفيرية متعجرفة فكلتاهما طرفان تتجاذبان الأمة الوسط , وهما السوس الذي ينخر في عظمها , فقد أساءتا للإسلام ونفختا في نار العصبية والطائفية مما ينذر بسيل أودية من الدماء , وكل ذلك إنما أوجدته المصلحة .
وهكذا كان طلب الوحدة ورفضها إنما ينطلق من هذه المصلحة في وضع غابت فيه القيم والمبادئ والمثل , وإذا كان ثمة من يمتلك الحق في هذه المصلحة فهم الجنوبيون لأنهم إنما يبحثون عن حقهم الضائع , أما الإخوة في الشمال في الشريحة المسحوقة وهي الأكثر عددا فان مصلحتهم تكمن في فك الارتباط على عكس ما يظنون لان المستفيد اليوم من الوحدة هما شريحتان الشريحة الأولى هي شريحة المتنفذين وهي التي تمتص خيرات الجنوب وتعيش في تخمة مالية , والشريحة الثانية هي شريحة الكادر التي تقتات على الفتات المتساقط من على موائد أصحاب التخمة , فعند فك الارتباط ستخسر الشريحتان الأولى والثانية وستسعد الثالثة لان الجنوب سيحتاجها كعمالة وافدة في نهضته القادمة , والتي تشمل عمال البناء وأصحاب المهن وخدمات المحلات وتجارها وهي الأعمال المحضة التي لن تكون مظلة لأهداف أخرى كما هي اليوم فما على هذه الشريحة إلا النظر بعين المصلحة في تدبير شؤون معيشتها وتترك الشعارات البراقة التي لاتسمن ولا تغني من جوع .