رؤية مختصرة عن
جذور القضية الجنوبية
مقدمة من المؤتمر الشعبي العام
لفريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل
مقدمة
لا شك أن تفكيك محور القضية الجنوبية إلى مكونات أربع هي : الجذور، و المحتوي، والحلول ، والضمانات هو تفكيك منهجي الغاية منه التعمق في فهم القضية في اتجاهات أصولها وحاضرها ومستقبل حلها. وهو تفكيك لا يمنع الترابط بين هذه المكونات نشأة ومساراً ومآلاً. لكنه يساعد على الفهم التدريجي لها ويُمكّن من التوصل إلى حل نهائي يرتكز على معطيات التاريخ والواقع.
وسوف نحاول في هذه الورقة أن نقف فقط عند مكون "الجذور" أي أنها مقاربة تاريخية تـَــتـَغَيّ الفهم العميق لما مرت به القضية الجنوبية من تحولات انطلاقا من محطة هامة – إن لم تكن الأقدم- فإنها الأبرز والأهم . ولا يمكن فهم هذه القضية وكذلك حلها إلا بفهم علاقتها بالقضية الوطنية اليمنية برمتها. ذلك أن القضية الجنوبية يجب أن ينظر إليها كمسار تاريخي متجذر في إطار القضية الوطنية الغاية من هذه النظرة هو العرض المحايد، والوصف المجرد عن الأحكام وذلك حتى يتسنى التوصل إلى حلول مستقبلية تتجاوز المماحكات والتجاذبات المتبادلة.
وسوف نركز على فهم المصطلح أولا، ثم نستعرض التحولات التي صاحبت القضية منذ لحظة الاستقلال حتى الآن ثانيا , وهي تحولات ترصد في محطتين: ما قبل الوحدة وما بعدها؛ لأن الحديث هنا يمس الجذور. ونختم باستخلاص عام لأهم ما يمكن أن تخبرنا به التجربة التاريخية عن هذه القضية.
1. تعريف
للقضية الجنوبية كمصطلح بعدان: الأول لغوي فلسفي يرتبط بكلمة "قضية" أي مسألة فيها تنازع أو موضوع للبرهنة أي أنها – من حيث المبدأ- ليست محل اتفاق، فهي مفهوم إشكالي. والبعد الثاني جغرافي سياسي يرتبط بمفهوم النعت الواصف لهذه القضية كونها "جنوبية" أي شطرية وهو أمر يفارق الحالة الوطنية لما صار عليه اليمن من ناحية ويفارق طبيعة القضية بأوجه تمظهراتها في أجزاء أخرى من اليمن. ومن هنا فإن مجمل دلالة مصطلح "القضية الجنوبية" ينطوي على طابع "إشكالي" لا يخفى على المختصين المدققين.
لكن لنقل إن بعض الأدبيات السياسية التي تستعمل هذا المصطلح تشير به إلى حالة التداعيات المختلفة التي نتجت عن الصراع السياسي في اليمن منذ الاستقلال أو ربما قبل ذلك، مرورا بإندماج شطري اليمن في كيان موحّد انتهاءً إلى الآن. وهذا تعريف مؤقت يمكن أن يُعاد النظر فيه بعد فهم الجذور التاريخية لنشأة هذه القضية ومسار تحولاتها وتبدلاتها والتوصل إلى كيفية معالجتها.
2. جذور القضية قبل الوحدة
كل قضية لا بد لها من نقطة "حرجة" أي نقطة تكون فيصلا بين الإرهاصاتِ الأولية التي شكلت خميرتَها ولحظةِ الطفرة التي أفضت إلى حالة الملاحظة البَـيـّـِنـَة لها. وفي تقديرنا أنه يجب البحث عن جذور هذه المشكلة في فترة زمنية أقدم تعود ربما إلى الحقبة الاستعمارية وما صاحبها من ضعف تشكل الدولة الوطنية مما أفضى إلى انعدام تراكم الخبرة التاريخية في إداراة دولة موحدة مركبة ومعقدة واسعة الأطراف. و لكن حتى لا نلقي اللوم على الغير لنحدد لحظة تاريخية معينة أقرب من ذلك وقع في نطاق تاريخ اليمن المعاصر. نقطة نجعلها منطلقا يكون أقرب إلى فهم أجيال هذا الزمن وإلى مشاركات نخبهم السياسية فيه. وحتى لا نقع بما يسميه الفلاسفة بـ"الدور" فيما يخص الفترة هنا، فإن الأحسن هو اختيار فترة معاصرة يُفَضَّل أن تتحدد إما بالعودة إلى لحظة انطلاق الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر 1962-1963. والأفضل أن نعود إلى ما هو أقرب من ذلك وليكن عام 1967م باعتباره عاما مفصليا في تاريخ اليمن وفي تاريخ الجنوب على وجه الخصوص.
وهناك أسباب وجيهه تحمل على النظر في عام 1967 كنقطة فاصله في تاريخ الدولة اليمنية المعاصرة. حيث يصادف هذا العام تحولات سياسية هامة في شطري اليمن: ففي5 نوفمبر 1967 حدث في الشمال تحول سياسي أفضى إلى تشكل نمط في الحكم مختلف نشأ عنه صراع من نوع آخر غير الصراع مع الملكيين. أي نشأ صراع في كنف الجمهورية نفسها بين الفصائل المشاركة بالثورة المدافعة عن الجمهورية. وفي نهاية الشهر نفسه (30 نوفمبر1967) استقل الشطر الجنوبي من الوطن عن الاستعمار ونشأ صراع بين أطراف الكفاح التي ناضلت معا أو بالتوازي، من أجل الاستقلال وانفرد طرف هو "الجبهة القومية" وأُقْصِيَ طرف آخر فعال هو "جبهة التحرير" رغم الفضل المشترك الذي قدمة الطرفان من أجل التحرير والاستقلال. وفوز طرف ما على آخر أفضى إلى نوع من التشريد والانتهاك للحقوق بدرجة أو بإخرى بتهم "العمالة" و"التبعية" وغيرهما. وترتب على ذلك نزوح عدد من قيادات الطرف المغلوب إلى الشطر الشمالي آنذاك, وهو ما نشأ عنة نواة صراع لا تزال بعض آثاره تتردد فيما ترتب عليه من تبعات سياسية وأيديولوجية. والتعبير عن هذا الصراع ما زال يُكْتَب عنه حتى الآن ومازال بعض رجاله موجودين بيننا في السياسة والثقافة والاقتصاد.
وعام 1967 هو عام تشكل الدولة اليمنية المعاصرة لأن الشمال شهد نهاية الحرب الأهلية ونجحت الأطراف السياسية المتحاربة في إبرام المصالحة الوطنية بينها، وخَفّت وطأة التدخل الخارجي. والجنوب شهد هزيمة الاستعمار وجلاءه عنه كليا وبدأ توحيد مكوناته السياسية المتعددة. كما يمكن اعتبار العام 1967 هو عام تشكل الدولة الشطرية والاعتراف بها دوليا. وهو عام للصراع الداخلي في كل شطر على حدة. ونقطة لصراع لاحق بين الشطرين بمسوح أيدولوجية وثقافية واجتماعية رافقته تصفية حسابات نتج عنها نزوح في الاتجاهين من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال ولكن ربما بكثافة أعلى. كما أن امتدادات هذا العام المحوري أفضت إلى صراع داخل الفصائل التي فازت في جولة النضال لنيل الاستقلال أي داخل الجبهة القومية. ففي الجنوب تمت الإطاحة بما سُمي حينها بـ"اليمين الرجعي" وأطيح بمن حسبوا عليه كمحصلة لما كان يعرف بحركة 22 يونيو 1969م . وتحول بعض الفائزين، بل رأس الفائزين في الصراع بين الجبهة القومية وجبهة التحرير (قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف الشعبي وغيرهما) إلى مغلوبين في جولة الصراع الداخلي في نطاق الجبهة القومية نفسها وتشكلت نواة جديدة للصراع السياسي و للنزوح والتشرد للقيادات التاريخية المدنية العسكرية والأمنية وزج بعضهم في السجون وغادر بعضهم وبعض المرتبطين بهم البلاد نهائيا.
و عملت حركة 22 يونيو 1969م على تبني التوجه الاشتراكي وتطبيق مناهجه في مختلف مناحي الحياة. وصدر قانون الإصلاح الزراعي الذي تم بموجبه مصادرة الأراضي ونزع ملكيتها وتوزيعها تحت شعار "الأرض لمن يزرعها" تحت وطأة التهييج الشعبي فيما عرف بالانتفاضات الفلاحيه. و في عام 1971 تمت الإطاحة برئيس الوزراء وقتل عدد من الدبلوماسيين وغيرهم. كما صدر قانون الإسكان عام 1972 وقانون الانتفاع والذي أُمِمت بموجبه الممتلكات الخاصة وحُولت إلى ممتلكات عامة وتعاونية. وحدثت دورة تصفيات لقيادات وكوادر وشخصيات إجتماعية وعلماء دين. كما جرت موجه جديدة من التسريح القسري والتشرد والنزوح لأصحاب الأملاك والأموال إِمّا إلى الشمال أو إلى دول الجوار. واستقرت المجموعات النازحة هناك وشكلت معارضة للحكم في الجنوب وكانت تزداد عددا وعدة مع توالي الأيام.
وفي عام 1977 حدث في الشمال اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1974 نتج عن هذا الانقلاب تخفيف حدة الملاحقات والمضايقات عن بعض أطراف الطيف السياسي على حساب أطراف أخرى تعرضت للإبعاد والملاحقة وهو مالم يحل المعادلة السياسية. و لكن سرعان ما اغتيل الحمدي بإخراج مسرحي فج لا يدل على مرؤة أو أخلاق في الحياة والسياسة. وتولى عقب ذلك أحمد حسين الغشمي وجرت عدة انتهاكات لحقوق الإنسان وسجلت بعض حالات الاختفاء القسري والتشرد والقتل والنزوح من الشمال إلى الجنوب.ثم اغتيل الغشمي بدوره عام 1978 في نطاق الصراع المتبادل بين الشطرين. ومن دلالات اغتياله وواحدية الإشكالية اليمنية في علاقتها بالسلطة ومنزعها نحو العنف و التصفية في التعامل مع الخصوم السياسيين؛ إذ بُعَيد ذلك جرى قتل الرئيس سالم ربيع علي بتهمة "الانتهازية" ليدخل الجنوب في دوامة من الإقصاءات والتصفيات الدموية والاختفاء القسري والتشرد ...إلخ وسمي الجناح المغلوب في الصراع بـ"تيار اليسار الانتهازي" وفي وسط هذه الأحداث، قبلها وبعدها،حدثت دورات من حروب عبثيه بين الشطرين كان وقودها أبناء اليمن في مناطق النزاع. ونزح مواطنون وسياسيون في الاتجاهين. وعمل أنصار كل طرف لدى الطرف الآخر على إذكاء التجاذبات والنزاع أحيانا، وكانوا وسيلة للتجييش والتشويش على هذا الطرف أو ذاك.
و في عام 1980 تم إخراج عبد الفتاح اسماعيل من الجنوب وتحالف ضده تيار تولى السلطة، لكن سرعان ما دبت بوادر الخلاف بين فريق هذا التحالف وتطور الخلاف إلى أن قامت أحداث 13 يناير 1986 الدامية. والتي أطاحت بعدد من قادة الجنوب على رأسهم عبد الفتاح إسماعيل، وعلى أحمد ناصر عنتر ، صالح مصلح قاسم، وعلي شايع هادي وغيرهم. وذهب ضحية الصراع في هذه الأحداث آلاف المواطنيين. وغادر الرئيس علي ناصر محمد الجنوب ومعه عشرات الآلاف من الموظفين ومن الأمن والجيش والمواطنيين. وتمت تصفيات كبيرة في الجنوب بناء على البطاقة الشخصية وبأبشع الطرق بين الإخوة من رفاق الأمس. وانتهت الجولة بفوز علي سالم البيض ومجموعته وتوليه السلطه. ونزوح علي ناصر محمد ومجاميعه إلى الشمال. وبذلك تشكلت بؤرة توتر وصراع جديدة بين فريقي أطراف ذلك النزاع. ولم يتم التوقيع على اتفاقية الوحدة إلا بشرط إخراج بعض شخصيات الطرف النازح في أحداث عام 1986 من الشمال إلى دول أخرى. لتعيش بعض ضحايا هذه الأحداث تشردا طويلا و ليطلب ممن لم يغادر عدم المشاركة في الحياة السياسية لدولة الوحدة.
وهكذا نرى أن مرحلة ما قبل الوحدة في الشطرين متشابهه ومتشابكة من وجوه عدة منها:
· النزوح المتبادل للخصوم السياسين في الاتجاهين من الجنوب إلى الشمال غالبا، ومن الشمال إلى الجنوب أحيانا.
· عمل هؤلاء الخصوم على إذكاء النزاع بين نظامي الشطرين أحيانا، أو استخدامهم وقودا لهذا النزاع.
· هناك تشابة جزئي في الصراع الدموي على السلطة, وما يترتب عليه من موجات العنف والتشريد والاعتقال والإقصاء والملاحقة للخصوم السياسيين وضيق رحابة التسامح والصفح السياسي.
· التدخلات الأجنبية وأثرها في استعمال الأرض اليمنية لتحقيق مكاسب سياسية وثقافية معينة (الحرب البادرة).
· حالة التربص التي نشأت عند كل طرف للانقضاض على الطرف الآخر في أقرب فرصة سانحة باستخدام الوسائل العنيفة والمسلحة.
3.مسار القضية بعد الوحدة
وجاءت الوحدة اليمنية المباركة وكان المفترض أن تكون مناسبة لطي كل صفحات الصراع القديم داخل كل شطر على حدة، وبين الشطرين بما يخلق وئاما تاما في نطاق الدولة اليمينة الموحدة. لكن شاءت بعض الأطراف والقوى السياسية – كالعادة- أن لا تحل ما يُشكِل بينها بالطرق السلمية والحوار، فلجأت إلى العنف والاغتيالات والتآمر على بعضها بعضا. وأخذت نخب سياسية ترتب - كل بطريقته - للاستيثار بالقرار بعيدا عن أي استشعار المصلحة العليا لليمن وبعيدا عن أي إدراك لما تحقق بفضل الوحدة من رحابة وإخاء و ما يقتضيه هذا من مشاركة وتعاون بين كل الأطراف العملية السياسية.
وجاءت الانتخابات التشريعية عام 1993م ولم ترض نتائجها طرف سياسي بعينه، فأخذت بذرة الشِّقاق تنمو وكانت تغذيها الأزمة الإقليمية التي عقبت حرب الخليج والموقف اليمني منها. كما أن وصول قوى سياسية جديدة، على إثر هذه الانتخابات، إلى المرتبة الثانية والتحالف الذي نُسج معها رغم موقفها من الوحدة ودستورها، وإتهام بعض المحسوبين عليها في أعمال عنف واغتيالات ، كل هذا زعزع الثقة بين الأطراف السياسية، وبالأخص بين شريكي الوحدة (المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي اليمني). وحدث تحارب عام 1994وهو تحارب كان له أثر نفسي مؤلم ، ووَقْعٌ غير مُرْضٍ حتى لدى أولئك الذين خاضوه بحكم الأمر الواقع وهو الدفاع عن الوحدة. غير أنه يبدو أن الأطراف السياسية المتنازعة وهي تستحضر دورات الصراع التي سبق عرضها هنا ما كانت لتؤمن ببديل غير استعمال العنف. وفشلت مساعي الصلح بعد أن أُفْرِغت وثيقة العهد والاتفاق من فحواها قبل أن يجف حبرها؛ بعدم نية بعض الأطراف الموقعة عليها العمل بها.
و لم تكن هذه الحرب موضع رضى عند معظم الناس في الجنوب والشمال على حد سواء كأي حرب. كما أن الناس لم تنس ما تركته في النفوس من شعور بالأسى وخاصة أنها أقرنت ببعض الفتاوى المثيرة. وهي دورة من دورات العنف السياسي المتتالية التي ضربت اليمن ولكن هذه المرة على المستوى الوطني الشامل.
وبعد هذه الحرب صدر قرار العفو العام إلا أن بعض المحافظات الجنوبيه تعرضت لا سيما عدن إلى أعمال النهب الفوضوي لبعض الممتلكات العامة والاستيلاء على بعض المقرات وبعض بيوت القادة. ويمكن عرضه في محور مكونات القضية بشيء من التفصيل. وكذلك انتعشت – في عدن ولحج بعض مظاهر "البسط" على بعض الأراضي وانتقال بعض رجال المال والأعمال أو المتقمصين لهذه المهنة في هذا المجال إلى عدن وحضرموت وغيرها والحصول على أراضي سواء تم الشراء من مدعي الملكية أو صرفت لهم من الجهة المختصة تحت غطاء الاستثمار الذي لم يتحقق حتى الآن في معظمه.
وكان من نتائج هذه الحرب أن الفئة التي اعتادت التفرد بالأمر قد وجدت نفسها في تزاحم مع كوادر كانت مقصية أو كوادر جديدة فسمّت ذلك إقصاءا أو إبعادا . وأياً كان الأمر فأن ما جرى لم يكن بمنظور مناطقي (شمال- جنوب) أبدا. لكنه يشبه ما يجري الآن في بعض أجهزة الدولة إلى حد معين بشأن الكوادر التي تم إقصاؤها أو المهدده بالإقصاء ولكن في هذه المره من فئة معينة أخرى . أي أن عجلة الإقصاء لم تقف، والعبرة لم تحصل، والخطر يتشكل من جديد. وهو ما يتناقض مع التجربة التي نحن بصدد عرضها والاعتبار بها.
وتفاقمت شكاوى الناس حين أضرت المركزية الشديدة بمصالحهم ومعاشهم . رغم أن القانون واضح بشأن نقل الصلاحيات للسلطة المحليه , غير أن ذلك عمليا لم يرافق بموارد ماليه وبصلاحيات إدارية متوازية . وتفشى الفساد وسوء إدارة الممتلكات العامة ولا سيما أراضي الدولة بسبب تعدد جهات الإشراف والصرف, وأحياناً تعدد من قاموا بالشراء من مدعي الملكية أو من صرفت لهم على أرض بعينها. كما برزت قضية التقاعد و التباطؤ في التعامل مع بعض المطالب التي لم يكن المتضررون منها فقط من الجنوب وإنما من اليمن كلها وذلك إثر استراتيجيه الأجور عام 2006.التي منحت المتقاعدين الجدد معاشات أكثر مما يحصلون عليه من تقاعدوا قبل هذا التاريخ من زملائهم , وزاد الطين بله نشوء بؤرة صراع جديدة في صعدة له طابع عنيف أغرى برفع سقف المطالب تدريجيا إلى أن صارت إلى ما صارت إليه.
وبان الميل الواضح لدى القوى الشريكة والمؤثرة في صنع القرار بالإستيثار بالقرار السياسي دون مراعاة للشراكة والمصلحة الوطنية والمصلحة العليا. إلى أن لاحت بوادر خلافاتها في أزمة صامتة في البدء ثم تطورت رويدا رويدا حتى صادفت قدوم ما صار يعرف بالربيع العربي .
وهكذا حلت أزمة عام 2011م لتجد فيها القضية الجنوبية مكانا هاما. وجاء الحوار ومؤتمره الشامل هذا لتتصدر القضية الجنوبية أجندته بوصفها "جنوبية" مَوْضعاً، ووطنية بامتياز مَوْضُوعاً. أي أن فهمها في جذورها، وتفحص مكوناتها واقعيا، ثم تصور حلول لها لا يمكن أن يكون سوى في إطار وطني يمني شامل. وهذا هو الحال الذي صرنا إليه اليوم. فدورات العنف التي عرضناها ليست خاصية "جنوبية" والمشاكل الناتجة عنها لم يكن الجنوب وحدة هو من عاني منها، وإنما تكاد أنماط العنف السياسي أن تشمل اليمن برمته، وأثره يعم كل أرجائه وأن كان يبدو حادا في بقاع بعينها وهو الآن حاد في استهداف فئة بعينها.
أخيرا لعل العرض التاريخي هذا يمهد لتفكيك المكونات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية لهذه القضية في طريق تشخيصها أولا، ثم تصور حل منظومي شامل ومتكامل يضرب صفحا عن الأنماط الثقافية للعنف والتطرف والأَثَرة. ويؤكد حقيقة موضوعية هي أن حل القضايا الخلافية – كهذه القضية- يجب أن يتم في إطار حواري سلمي يتغي درء المفاسد وجلب المنافع في آن معا.و إيقاف عجلة الإقصاء تحت أي مسمى.
4. خلاصة
إن الاستعراض التاريخي من شأنه إظهار المحددات التالية والتي يمكن - بعد استعراض مكونات القصية- أن تكون ضمن حزمة الحلول المستقبلية:
· إن القضية اليمنية الكبرى هي أمن واستقرار ووحدة هذالوطن. والقضية الجنوبية جزء لا يتجزأ من قضية اليمن الكبرى لا يمكن النظر إليها في معزل عنها أبدا، حتى لا تتكرر مآسي الانتهاكات والتشرد والإقصاء والمصادرات والتصفيات لأسباب إيديولوجية أو مناطقية أو حزبية أو انتقامية من أي نوع كان ولأي فئة أو مجموعة كانت , ونظل ندور في نفس الفلك ؛
· إن ما جرى في كل المراحل السابقة مما عرضنا له هنا أو لم نذكره هو في حكم التاريخ، وأن العبرة والدرس منه يجب أن تؤكد على عدم تكرار دورات العنف والإقصاء والتشريد والمصادرة تحت أي مسمى؛
· إن دورات العنف في اليمن قد بادلت مواقع الأطراف المتورطة في هذه الدورات بحيث يصعب اتهام طرف وتبرأة طرف آخر. وبالتالي لا يمكن أن يدعي أي طرف بأنه براء مما أصاب البلاد من وابل النزاع ودورات الصراع؛
· إن أهم خاصية للشخصية اليمنية هي القدرة على التصالح، وعلى التسامح، والسمو على الجراح من أجل العيش المشترك والإخاء الدائم. وأن ما يمكن تعويضه وإصلاحه يجب البدء به فورا وعلى النحو المطلوب. وما لا يمكن ينظر في آلية مستقبلية لاجتنابه وعدم تكراره البتة.
و هكذا نخلص إلى إن جذور القضية الجنوبية ناتجة عن دورات العنف والصراع التي شهدتها اليمن جنوبا وشمالا ونتج عنها جملة من المظالم تمثل بعضها في التهميش، والملاحقة، والإقصاء والإبعاد وغير ذلك تحت شعارات مختلفة وذرائع متنوعة. وهذا كله يجب أن يكون موضع نقد تاريخي بناء. أي نقد يبني على الخطأ التاريخي مسارا صحيحا مستفيدا من الدرس مجتنبا تكرار الأسباب ومعاودة الدواعي. ذلك أن فهم الجذور مدعاة لوضع نهاية للانتقام ومشاعر الكراهية التي تُعمي عن رؤية رحابة التسامح والتصالح الحقيقين وفوائدهما من أجل إعلاء قيم وممارسات الحق والعدل والمساواة في جو من حرية يحرسها القانون ويصونها النظام الديمقراطي في دولة مدنية حديثة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
22/4/2013 م
وفي مايلي ..نص رؤية التجمع اليمني للإصلاح للقضية الجنوبية لنشرها في الصحف:
بسم الله الرحمن الرحيم
جذور القضية الجنوبية
رؤية مقدمة
من
التجمع اليمني للإصلاح
إلى
فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني
منذ ثلاثينيات القرن المنصرم واليمنيون يناضلون ويقدمون التضحيات الجسام، وقوافل الشهداء من أجل إقامة الدولة الوطنية ، التي تجسد إرادتهم الحرة وتعبر عن ذاتيتهم وهويتهم الوطنية الجامعة ... وتشاد على قاعدة المواطنة المتساوية ، والنظام اللامركزي ، وسيادة القانون.
ولقد مثل انتصار الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) وإقامة النظام الجمهوري في الشطر الشمالي وتحقيق استقلال الشطر الجنوبي وتوحيده، وإقامة النظام الجمهوري فيه، الخطوة الأولى التي فتحت الطريق أمام إنضاج واستكمال أهم أهداف ومبادئ الثورة اليمنية، وتطلعات الشعب اليمني في تحقيق وحدته، وإقامة دولته الوطنية الحديثة، على خطى الانعتاق من مخلفات الاستعمار وموروثات الاستبداد، وحكم الفرد ومركزية نظام الغلبة العصبوي.
وبالرغم من استمرار حالة التشطير وتعثر الخطى الوحدوية خلال ما يزيد عن عقدين، فقد ظل المشروع الوحدوي هدفا تسعى لتحقيقه كافة أطراف وقوى العمل السياسي الوطني ، وقدمت في سبيله الكثير من التضحيات، بل وتحت ذرائعه وقعت العديد من الحروب الداخلية والشطرية ، وبهذا الصدد نرى لزاما علينا أن نشير وبكل إنصاف إلى أن تفاعل أبناء الجنوب مع قضية الوحدة اليمنية وتضحياتهم في سبيل تحقيقها كان أكبر بكثير من تفاعل وتضحيات إخوانهم أبناء الشمال ، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي فمن ذا يمكنه تجاهل الدور البناء للجبهة القومية في توحيد الجنوب ووضع القضية الجنوبية في إطارها الوطني .
لقد تواصلت جهود ونضالات اليمنيين في جنوب الوطن وشماله لتحقيق الوحدة اليمنية ، حتى أشرق صباح يوم 22/ مايو/1990م بوحدة سلمية مثل طابعها السلمي الذي قامت عليه بداية تاريخ يمني جديد، يرفض استخدام العنف لتحقيق الأهداف السياسية ، أو في العمل الوطني ، كما وفرت ـ بما حملته من مضامين وطنية وديمقراطية ـ الظروف والمناخات الملائمة لـ :
· إنهاء حالة التجزئة والتمزق ، وتجاوز كل أشكال التمايزات العصبوية ونزعات الاستعلاء, والاستفراد بالسلطة ، والاستحواذ على الثروة، التي كانت تجد في ظروف التجزئة والتمزق مناخات مناسبة للنمو والهيمنة على ما عداها من أشكال الحكم الديمقراطي الشوروى التي حلم بها اليمنيون ، وناضلوا وضحوا في سبيل تحقيقها بالغالي والرخيص.
· فتح آفاق المستقبل لتحقيق أهداف الثورة اليمنية وفي مقدمتها بناء الدولة الوطنية، كإطار ناظم لعموم اليمنيين ، يضمن حقوقهم ويصون كرامتهم ، وليست كياناً منفصلاً عنهم أو في مواجهتهم
ولهذا فقد اقترنت بالتعددية السياسية والحزبية ، وتداول السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة كشروط موضوعية لابد منها لتعزيز مسار بناء الدولة الوطنية العصرية، والتي لم يكن من الممكن بناؤها في ظل حالة العنف والتمزق ونزعات التفرد والاستئثار بالسلطة والثروة والقرار .
وقد تطلع اليمنيون واتسعت آمالهم بتحويل تلكم المضامين الوطنية الديمقراطية إلى عقد اجتماعي جديد يصوغ حاضر ومستقبل البلاد باتجاه تحقيق الازدهار والتقدم المنشود.
غير أن الأمور أخذت للأسف الشديد مسارا آخر، فتفجرت الأزمة في نهاية 1993م ، ثم اشتعلت الحرب في صيف1994م ، وعقبها تم الانقضاض على مضامين الشراكة الوطنية ، والمشروع الديمقراطي الوليد القائم على التعددية السياسية والحزبية، فانسدت آفاق الأمل الذي كانت قد انفتحت واسعة أمام اليمنيين يوم 22مايو 1990م.
حيث أدارت السلطة ظهرها لأسس التعددية السياسية والحزبية ومرتكزات الشراكة الوطنية التي قامت عليها الوحدة السلمية في 22 من مايو 1990م، وأصرت على التعامل بخفة وتعالٍ مع أوضاع وتحديات ما بعد حرب 94م وبخاصة مع مطلب إزالة آثار الحرب وبلسمة جراحات الجنوب ، التي تبنتها ونادت بها العديد من القوى السياسية والشعبية ، بما في ذلك التجمع اليمني للإصلاح حيث طالب مؤتمره العام الأول (الدورة الأولى) في بيانه الختامي الصادر يوم 24 من سبتمبر 1994م الحكومة (لمعالجة آثار الحرب وإزالة مخلفاتها، وتعمير المناطق المتضررة) و (الاهتمام بالمحافظات الجنوبية وإعطائها الأولوية في المشاريع والخدمات ...) .
لكن الذي حصل هو العكس تماما ، حيث تم إطلاق يد الفساد والعبث في عموم البلاد ، وشيئا فشيئا استعادت السلطة الفردية ـ وبصورة ممنهجة ـ هيمنتها الاستبدادية، مستدعية موروث الأزمة التاريخية بكل مكوناتها العصبوية، ونزعاتها الاستعلائِية الإقصائية ، واستبدال مشروع بناء الدولة الوطنية المؤسسية بسلطة فرد اكتفت بحشد عناصر الدولة خارج نظامها المؤسسي لتأمين وظيفة تسلطية تتجه بجانب منها نحو إعاقة بناء الدولة وتتجه بالجزء الآخر نحو حماية السلطة العائلية في عمليتين تلتقيان معا في المجرى الذي يفضي إلى نتيجة واحدة، وهي مواصلة تكريس شخصنة الدولة والسلطة والنظام، وتشويه الوعي الوطني تجاه مفهوم الدولة ووظائفها، وتدمير النظام السياسي التعددي وضرب المشروع الديمقراطي ومقومات الحياة المدنية.
إن السلطة التي انفردت بالحكم بعد الحرب وأضحت ـ للمرة الأولى منذ مئات السنين ـ مسؤولة عن اليمن كله ، قد فشلت في إدارة مشروع الوحدة، وحولته من مشروع وطني ديمقراطي إلى مشروع عائلي عصبوي، أطاح بالشراكة الوطنية ،وكرس الاستئثار بالسلطة، والثروة، وفشلت في أن تكون عند مستوى التحدي الوطني ، في مواجهة المشاكل المستعصية التي ورثتها دولة الوحدة عن مرحلة التجزئة ، أوالتي نتجت عن الفترة الانتقالية، أو تلك التي نجمت عن الحرب ، وخروج الشريك الثاني في اتفاق الوحدة (الحزب الاشتراكي) من السلطة ، بل أنها بدلا من ذلك قامت بتسريح الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين، من أبناء الجنوب ، دون مراعاة للحد الأدنى من حقوقهم المشروعة، وجرى خصخصة مؤسسات القطاع العام من خلال عملية نهب واسعة كان المتنفذون هم المستفيد الوحيد منها، وقذف بالعاملين فيها إلى سوق البطالة بدون حقوق، وبالمثل طرد الفلاحون من أراضيهم، وصودرت مزارع الدولة، وأعيد توزيعها على حفنة من المتنفذين ، ونهبت أراضي الدولة لصالح فئة صغيرة من كبار المتنفذين، وعلى حساب الاحتياجات الاستثمارية والسكنية، في حين كان مواطنو المحافظات الجنوبية المستبعد الأكبر فيها، وتجاوز الأمر ذلك إلى نهب أراضي وممتلكات خاصة لأعداد كبيرة من المواطنين.
وبذلك نالت المحافظات الجنوبية النصيب الأوفر من تلكم السياسات التدميرية التي انتهجها النظام بصورة أفضت إلى تكريس نزعة الهيمنة والإقصاء ، وإعادة قولبة الأوضاع في الجنوب وكأنه مجرد جغرافيا بلا تاريخ ، وبلا خصائص سياسية، واقتصادية ، واجتماعية وثقافية، نشأت وتبلورت في فضاء الهوية اليمنية على مدى فترات زمنية طويلة .
وفي مجرى هذه الأزمة وتداعياتها نشأت حالة غليان جماهيرية غير مسبوقة في المحافظات الجنوبية ، فتبلور هذا الغليان في حراك سياسي واجتماعي، راح يطرح بقوة موضوع القضية الجنوبية، كرد فعل طبيعي لفشل السلطة في أن تؤسس لحياة سياسية واقتصادية توفر الحد الأدنى من الشعور بالأمان والاستقرار والعدالة لمواطنيها ، وخاصة في المحافظات الجنوبية الذين فاجأهم ذلك المستوى من العبث والفساد بتلك الدرجة الفاحشة، و وبتلك الصور المستحدثة مثل منح متنفذين مساحات كبيرة جدا من الأراضي، والامتيازات في التجارة والصناعة في الوقت الذي كان معظم أبناء الجنوب عاجزين عن العمل في هذه المجالات بفعل سنوات المعتمدة على القطاع العام ، وعاجزين كذلك عن الحصول على مسكن لائق بهم ، وقد وفرت ممارسات الفساد هذه بيئة خصبة لإثارة غضب الشارع الجنوبي وتنامت المشاعر والأحاسيس بتعذر التعايش مع أولئكم الذين نهبوا ثروة الجنوب واستباحوها لأنفسهم وأبنائهم تحت أي سقف.
مرة أخرى أصمت السلطة آذانها عن رؤى ومقترحات اللقاء المشترك في المعالجة الوطنية لهذه الأوضاع ، وراحت تعمل على طريقتها في معالجة واحتواء الأزمة تارة عبر أساليب توزيع الهبات والأموال وشراء السكوت ، أو عبر استخدام العنف وإطلاق الرصاص الحي والسجن والملاحقات التعسفية لقمع ذلك الحراك السلمي تارة أخرى ، فلم يؤد ذلك إلا إلى المزيد من التأجيج والتعقيدات.
لقد عبرت أحزاب اللقاء المشترك عن تضامنها ووقوفها إلى جانب الحراك السلمي ورفضها لممارسات القمع والتضييق ، وكمثال على ذلك ، نعيد عليكم بعض ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر العام الرابع للإصلاح الدورة الثانية الصادر يوم 12/03/20091م والذي أكد فيه على (أن التعاطي مع المطالب الحقوقية والسياسية من منظور أمني وقمع الفعاليات السلمية لن يحل جذر المشكلة بل سيعزز من خيارات أخرى ومسارات تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وأهاب بالمجتمع اليمني بكل قواه ومكوناته السياسية والاجتماعية ومنظماته المدنية وعلمائه ومفكريه ومثقفيه ورجاله ونسائه وشبابه وشيوخه على مغادرة حالة السلبية والتفرج وتحمل مسؤوليتهم الوطنية والتنادي لطرح ودراسة الحلول والمعالجات الجادة متخذين من القضية الجنوبية مدخلاً للإصلاح السياسي والوطني الشامل، كما حيا كافة الفعاليات السياسية والشعبية المنضوية تحت مكونات الحراك السلمي معتبرا القضية الجنوبية قضية سياسية حقوقية مطلبية وتمثل أبرز مظاهر الأزمة الوطنية التي تعيشها البلاد، وهي مدخل صحيح وسليم للإصلاح السياسي والوطني الشامل، مطالبا السلطة بالاعتراف بهذه القضية كقضية سياسية، وعدم التعالي عليها، والكف عن قمع نشطائها وفعالياتها وعدم عسكرة الحياة المدنية، والتحقيق مع كل المتسببين في قمع الفعاليات وقتل وجرح الأبرياء من المواطنين، وإعادة كافة المسرحين قسراً من مدنيين وعسكريين إلى أعمالهم)
في نهاية هذه المقدمة الاستعراضية نرى لزاما علينا التنويه إلى ما يلي :ـ
· إن الحديث عن جذر القضية الجنوبية لا يعني بحال من الأحوال إدانة طرف سياسي أو اجتماعي أو محاكمة هذه الفترة التاريخية أو تلك فالبحث عن وفي تلك الجذور إنما يهدف إلى تسهيل وصولنا كفريق واحد إلى التوافق على تشخيص صحيح لهذه الهامة والمركزية تمهيدا للاتفاق على المعالجات والحلول للقضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية ، حلاً عادلاً وشاملاً، يضع الجنوب في مكانه الوطني الطبيعي كطرف في المعادلة الوطنية، وكشريك حقيقي في السلطة والثروة.
· وجود الترابط العميق بين جذر القضية الجنوبية وبين محتواها ومظاهرها ، ولن يستوفي هذا الجانب حقه من الوضوح في مختلف الابعاد إلا عند الحديث عن محتوى ومظاهر القضية الجنوبي بكل أبعادها، والذي سيتم طرح وجهة نظر التجمع اليمني للإصلاح ورؤيته لهذا الجانب عند تقديم ورقتنا في هذا المحور.
بعد هذا الاستعراض المجمل والموجز والمتضمن وإن بصورة غير مفقرة للعديد من الأبعاد التي تم تحديدها في خطة العمل سوف نشير وبإيجاز شديد الى اهم وابرز الأبعاد لجذور القضية الجنوبية:ـ
1. إن الحديث عن البعد السياسي لجذر القضية الجنوبية سيقود بالضرورة الى فترة تاريخية سابقه لقيام دولة الوحدة وتحديدا الى فترة الاستقلال فرغم تمكن الحركة الوطنية في الجنوب من خلق كيان وهوية وطنية جامعة كنجاح يحسب لها ، وتمكن الحركة الوطنية في الشمال من دحر فلول الملكيين وتثبيت النظام الجمهوري ، إلا أن ما لا يمكن إغفاله أو تجاهله أن النظامين قد اخفقا في بناء الدولة التي تستوعب في هيكلها مختلف القوى الاجتماعية بحيث تحصل كل منها على دورها ومشاركتها في السلطة وفي عملية اتخاذ القرار السياسي بتلقائية ودونما عنف ، وقد أدى هذا الاخفاق وغياب التجربة السياسية الناضجة لدى النظامين السياسيين في الشمال وفي الجنوب وما رافق تجربتهم العملية في ادارة الدولة من تغييب لقيم الديمقراطية ومنظومة الحقوق والحريات ، عكست نفسها في الفشل الذريع خلال الفترة الانتقالية في بناء الدولة الوطنية المجسدة لمضامين وحدة 22/ مايو/1990م السلمية جراء غياب الشراكة الوطنية اللازمة لبنا كتلة تاريخية ترسي المداميك اللازمة لإقامة الدولة وتشييد بنيانها المؤسسي بصورة تتكامل فيه أركان اللامركزية وأركان الديمقراطية التعددية ، واللتان تشكلان أهم أسس ومقومات بناء الدولة المدنية الحديثة.
2. ساهمت تعقيدات المشهد السياسي في الجنوب في نشوء دورات من العنف كان لها تداعياتها التي أثرت بشكل مباشر في بروز القضية الجنوبية حيث فتحت عملية الاقصاء ، واستجرار صراعات الماضي ، وتغييب المصالحة الوطنية ، إلى الاخفاق في ترتيب البيت الجنوبي من الداخل عشية الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية ، الأمر الذي فتح الباب مشرعا أمام توظيف هذه الحالة من التشظي في:ـ
§ اضعاف الشراكة الوطنية للطرف الجنوبي خلال الفترة ما بين 90-1994م.
§ تقويضها بشكل كامل في فترة ما بعد 1994م ، حيث تحول الجميع من شركاء إلى موظفين .
3. تتمثل أهم عناصر البعد الاقتصادي لجذر القضية الجنوبية بعدم مراعاة طبيعة التجربة الاقتصادية في الجنوب والتي كان من أبرز سماتها:
أ. إدارة الدولة للقطاع الاقتصادي وغياب أي وجود للقطاع الخاص أدى بدوره إلى عدم تراكم قاعدة رأسمالية قادرة على المنافسة في الحصول على فرص استثمارية وبما يحقق العدالة في الفرص التي خلقتها دولة الوحدة
ب. كانت الدولة في الجنوب هي الكافل الاساسي لخلق فرص العمل عبر القطاع العام وهي التي تتكفل بتوفير احتياجات الناس الاساسية وتحديد اسعارها بصورة تتناسب مع دخولهم ، الأمر الذي ضاعف من الآثار الكارثية للسياسة التي انتهجتها السلطة فبدلا من أن تقوم بتوفير المصالح والخدمات التي تطلع المواطنون إلى نيلها في ظل دولة الوحدة، راحت تضرب شبكة تلك المصالح التي اعتاد مواطنو المحافظات الجنوبية على قيام الدولة بتوفيرها لشرائح واسعة منهم، وتراجعت الكثير من الخدمات التي كانوا يحصلون عليها، وأهين تراث المواطنين الجنوبيين ورموزهم عمدا, وطمست المعالم المجسدة لشراكتهم في الوحدة كجزء رئيسي من شراكتهم الوطنية, وتحولت الوحدة من قضية وطنية نبيلة ربطوا أحلامهم وتطلعاتهم بها إلى تهمة يومية تلاحق الكثيرين منهم في حلهم وترحالهم بينما لم يتوقف الإعلام الرسمي عن استخدامها كوسيلة لتوجيه الإهانات وممارسة القتل المعنوي ضد المواطنين في الجنوب بدون استثناء.
ج. غياب الفساد المالي حيث لم يعرف الجنوب بروز ظاهرة الفساد المالي بشكل واضح للعيان بسبب طبيعة النظام الاداري وصرامة الاجراءات الرقابية في القطاع الحكومي الامر الذي جعل لاستفحال ظاهرة الفساد بعد قيام دولة الوحدة اثار سلبية على المواطنين في المحافظات الجنوبية والذي كان من ابرز مظاهره:
· منح العقود والامتيازات للمتنفذين والمقربين وخصوصا في القطاعات النفطية
· صرف الاراض للمتنفذين والموالين بحجة دعم اقامة المشاريع الاستثمارية
ختام أيها الاخوة والأخوات رئاسة وأعضاء فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني نأمل أن نكون قد أسهمنا في إجلاء الرؤية عن بعض أبعاد جذور القضية الجنوبية ، آملين عفوكم وصفحكم عن أي خلل أو تقصير .
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ا