عطاس لـ«الحياة»: على القوى الوطنية إن كانت فعلاً قوى وطنية، أن تعترف بأن الوحدة انتهت، ويجب أن يعود الوضع إلى ما هو عليه
الشماليين لا يعترفون أصلاً بوجود جنوب وشمال.
14 ربيع الأول 1436هـ - 04 يناير 2015 مـ الساعة 05:00 ص
( صدى عدن ) متابعات :
القاهرة - عبدالرحمن الطريري
> يعيش اليمن اليوم حالاً من تسارع الأحداث، إذ توقع الاتفاقات ثم يتحرك الحوثيون لصنع أمر واقع، المشهد الأخير في اليمن، ومحاولة حزب المؤتمر وأنصار علي عبدالله صالح، تعطيل منح الثقة لحكومة خالد بحاح، وهو مواطن من الجنوب، ثم مُنحت الثقة للحكومة، بعدها تحرك الحوثيون صوب وزارة الدفاع.. ما قراءتك لهذه التطورات؟
- المشهد الراهن هو انعكاس لما حصل في 21 أيلول (سبتمبر) من هذا العام، أو هو امتداد لما حدث عند دخول حركة «أنصار الله» صنعاء وسيطرتهم على العديد من مفاصلها، ونتج من ذلك إرباك لأكثر من جهة وتعطيل لعمل الدولة، وخلفية دخول «أنصار الله» أو الذريعة التي هيأت المناخ لهم في تقديري الشخصي، هو تعنت بعض القوى المؤثرة في صناعة القرار، بعد اختتام مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء. وكان التعنت عبر عدم السماح بأمور عدة: أولاً: تعطيل تنفيذ مخرجات الحوار. ثانياً: إشراك الحوثي «حركة أنصار الله» في السلطة باعتبارهم شاركوا في مؤتمر الحوار، وعدم إشراك الحراك الجنوبي المساهم في الحوار الوطني، وحتى عدم تنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشرة التي اتُّفق عليها مع بداية الحوار الوطني، في ما يخص تهيئة الأجواء بالنسبة إلى القضيتين الرئيستين: القضية الجنوبية وقضية صعدة، هناك عدد من النقاط تُووفق عليها في اللجنة التحضيرية أو الفنية التي تعد للحوار. ولا بد من تنفيذ هذه النقاط؛ لإعادة بعض الأمور إلى نصابها، سواء في الجنوب أم في صعدة؛ نتيجة لحروب صعدة الست، ولاجتياح الجنوب في تموز (يوليو) 1994. الحرب الظالمة التي شنها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح آنذاك، لكن لم يتم شيء من هذا، وتراكمت الأمور فازداد الجو سوءاً.
هذا أعطى ذريعة لـ«أنصار الله» ليدخلوا صنعاء، بعذر جديد، وهو القرار برفع قيمة المشتقات النفطية، لكن أنا أعتقد أن الخلفية الأساسية ليست المشتقات بل عدم إتاحة الفرصة لهم للمشاركة وقطع الطريق عليهم من أن يقوموا بمثل هذا العمل، دخلوا.
فرض ما يسمى باتفاق السلم والشراكة الوطنية، هذا على اعتبار أن يشاركوا، وكانت وثيقة الحوار الوطني تنص على مشاركة جميع الأطراف والقوى السياسية، وأن تحل القضية الجنوبية وكل القضايا.
> «أنصار الله» قبل صياغة هذا الاتفاق وأثناءه بدأوا يمارسون السيطرة على بعض المواقع؛ لفرض أمر واقع، وحتى بعد توقيع الاتفاق استمرت هذه الأعمال.. بماذا تفسر رفض الحوثيين توقيع الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة؟
- لأن معظم نصوص الملحق تنص على أن يسحبوا قواتهم من بعض المناطق، والحوثيون قبل دخولهم صنعاء في 21 سبتمبر وجدوا ارتياحاً معيناً في القضاء على بعض الرموز المعطِّلة، وبعض القوى المتنفذة، وبعض قوى الفساد.
> الإخوان المسلمون؟ قبيلة حاشد؟
- ليست قبيلة حاشد كقبيلة ولكن رموز فيها.
> لكنهم لم يتعرضوا لحزب المؤتمر الذي كان يتهم بالفساد والتسبب في ما وصل إليه اليمن اليوم؟
- بحسب المعلومات والمعطيات، أن علي عبدالله صالح استطاع أن يستغل ما يحدث ويمزج خيوط توافق مع الحوثي، على قاعدة «عدو عدوي صديقي»، ولهم أهداف مشتركة، علي عبدالله صالح هدفه القضاء على شركائه في السلطة، وشركائه في حرب صعدة، وشركائه في الحرب على الجنوب، وشركائه في القضاء على الوحدة.
> وأعداؤه في الثورة؟
- لا، خانوه عندما قامت الثورة في شباط (فبراير) 2011، يريد أن ينتقم منهم، ومن ثم له هذا الهدف. «أنصار الله» أيضاً يشتركون في هذا الهدف، ولكن في ما يخص القضاء على القوى المتنفذة التي عطلت بناء الدولة في اليمن. الكل مشترك فيه وحتى الشعب له مصلحة في هذا الجانب.
> إذاً علي عبدالله صالح لديه قوة على الأرض كبيرة، وهو ما جعل الحوثيين ينسون دماء آبائهم في حروب صعدة ويقبلون به شريكاً أيضاً، هذا إذا حاولنا فهم وجهة نظر الحوثيين في تحالفهم مع صالح.
- ليس في السياسة أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، لكن فيها مصالح دائمة، وقد وجدوا مصلحتهم في هذه اللحظة مع صالح، لكن السؤال: أين ستكون مصلحتهم غداً، أنا أعتقد أن المشكلات بينهم معقدة، والذي أفهمه أن هذا الاتفاق موقت، لأنهم إذا أرادوا تحقيق العنوان الذي يسعون إليه وهو «إصلاح وبناء دولة»، وأحد المعطلين لبناء الدولة هو هذا الرمز الذي كان يملك السلطة في صنعاء، والذي حكم اليمن قبل الوحدة وبعدها لمدة 33 عاماً، لو كان لديه برامج لبناء الدولة لتمت، وعند قيام الوحدة حاولنا بناء الدولة في اليمن، وأعتقد أول محاولة كانت عبر برنامج «البناء الوطني والإصلاح السياسي والاقتصادي» الذي أقر في مجلس النواب في 15 كانون الأول (ديسمبر) 1991، مع بداية الوحدة. الأزمة نشأت في الأشهر الأولى من الوحدة، بسبب فراغ الدولة في صنعاء، إذ توجد دولة في الجنوب، ومن ثم تمت السيطرة على الوضع في الجنوب من الإخوة الشماليين الذين خرجوا يتولون مناصب في الجنوب، لكن في الشمال لا يوجد مؤسسات دولة، وهذه مشكلة كبرى. وعودةً إلى الحوثيين فهم رفضوا مرشح رئيس الحكومة الأول، ثم قبلوا المرشح الثاني، والآن هم يتبادلون الأدوار مع المؤتمر الشعبي، الجزء التابع لعلي عبدالله صالح، وهو نوع من العبث، وأنا أعتقد بأن الهدف الأساسي وراء كل هذه الحركة هو استهداف هذا الحد الأدنى من مخرجات الحوار الذي أتى به المؤتمر لمعالجة القضية الجنوبية أو قضية صعدة، وأنا قلت في مقابلة سابقة أن الإخوة في صعدة لم يقتنعوا بمخرجات الحوار في ما يخص قضيتهم، وكذلك لم يقتنع الجنوبيون في ما يخص قضيتهم، لكن الحوثيين أو «أنصار الله» عندهم قوة على الأرض واستطاعوا صنع أمر واقع.
> قبل العودة إلى ما قبل «21 سبتمبر»، أود سؤالك عن مؤتمر الحوار الوطني والذي كان 50 في المئة من أعضائه من الجنوب.. كيف تفسر أن مخرجاته لم تخدم الجنوب؟ هل الرئيس عبدربه منصور هادي أراد الخير للجنوب ولم يستطع لوجود قوى معطِّلة أم كان ضد تنفيذ البنود التي في مصلحة الجنوب؟
- آلية تشكيل المؤتمر والحوار حول القضية الجنوبية لم تكن مناسبة. صحيح أن العدد 50 في المئة كما يقولون، إلا أننا اقترحنا آلية لتشكيل هذا الحوار بالنسبة إل القضية الجنوبية قبل انعقاد المؤتمر، وكانت شرطاً لدخولنا المؤتمر، على اعتبار أنه توفر الأرضية الصحيحة للجنوبيين في حوارهم مع أشقائهم الشماليين حول القضية الجنوبية؛ لأن قضية الجنوب تخص قضية الوحدة الذي نشأت بين كيانين سياسيين. هذا المقترح الذي وضعناه باعتبار أن النظامين السابقين انتهيا بإعلان الوحدة، انتهت الجمهورية الديموقراطية الشعبية، والجمهورية العربية اليمنية، ولكن الشعب الذي هو أساس الدولة باقٍ سواء في الشمال أم في الجنوب. إذاً القوى الوطنية يمكن لها أن تمثل الشعب، في الحوار حول هذه المسألة، كما هو حاصل في مؤتمر الحوار، ولكن القضية يجب أن تناقش من منابرها، فاقترحنا أن تقوم القوى الوطنية جميعاً بالاصطفاف من دون استثناء، تحت مظلة الحراك الجنوبي الذي خرج ينادي بالقضية، والقوى الشمالية الوطنية كلها تصطف بحيث يكون 50 في المئة لكل جهة، ويتحدث الإصلاحي والاشتراكي والناصري بسياسة حزبه، ولكن من منبر جنوبي، مع زملائه الجنوبيين، لكن أن يقولوا أنت تتحدث من منبرك الحزبي، في صف آخر تواجه الجنوبي الآخر فهذا عبث، وقد عبث بالجنوبيين كل الأحزاب من دون استثناء، حتى لا تكون سياسة الحزب ضاغطة على أعضائه، ومن ثم يجب أن يتحرروا من حزبيتهم حين يناقشون قضية الجنوب؛ لأن القضية الجنوبية جاءت أساساً لوحدة بين كيانين، لذلك أعطى فرصة لأبناء الجنوب للنقاش في ما بينهم، بدلاً من أن تشتتهم وتوزعهم وتوجد خلافات بينهم، وهذا ما حدث في مؤتمر الحوار وقبله وحتى الآن.
> ولماذا لا نقول إن العناصر الجنوبية الموجودة في هذه الأحزاب تغلب عندهم مصلحة الحزب على مصلحة الجنوب؟
- نعم، لهذا مقترحنا أن يتحرروا من أحزابهم عند مناقشة قضية الجنوب، يضمون في وفد خاص بالجنوب، وهذا وفد جنوبي آخر يناقش القضية الجنوبية، فيكون حوار شمالي جنوبي ممثلاً لكل الأحزاب، هم الآن يقولون 50 في المئة من أعضاء المؤتمر من الجنوب، وهذه كذبة كبرى، كأن يكون العدد بالفعل 50 في المئة، ولكن شتتوهم ووزعوهم في إطار الأحزاب، وحرموهم من أن يقفوا في منصة الجنوب، وأنا أستشهد بمثال حصل في 2010.
كان لدينا تواصل حينها مع الإخوة في مصر اللواء عمر سليمان والرئيس حسني مبارك وكذلك الجامعة العربية؛ للتوصل إلى الحوار مع الشمال؛ لحل القضية الجنوبية، فجاءنا عَمرو موسى وعُمر سليمان بإفادة من الرئيس علي عبدالله صالح، بأنه مستعد لإرسال وفد للحوار معنا برئاسة الأخ عبدربه منصور هادي نائب الرئيس، وأبلغنا المصريون ذلك في تشرين الأول (أكتوبر) 2010 في مكتب عُمر سليمان، وكان ردنا مباشرة: نحن نرحب بالأخ عبدربه منصور هادي كجنوبي أن يترأسنا، ولكن لا يواجهنا في مناقشة القضية الجنوبية، يجب ألا يواجه الجنوبيُّ مثيله في مناقشة القضية الجنوبية، فقال المرحوم عُمر سليمان: ولكن هذا نائب الرئيس، فأجبناه: نعم هو نائب الرئيس في صنعاء، لكن عند مناقشة القضية الجنوبية فهو جنوبي، هنا تعبث القوى الأخرى، ولا يكون هناك حل للقضية الجنوبية.
> هل تريد أن تقول إن رسالة علي عبدالله صالح للمصريين كانت: إن الجنوبيين منقسمون؟
- لا، ليسوا منقسمين، ولكن أراد أن يقول: معي بعض الجنوبيين في الوحدة، وحين قلنا ذلك لعُمر سليمان اعتدل في جلسته وقال: معكم حق لا يمكن أن تناقشوا الأخ عبدربه منصور في قضية الجنوب، وقال: أعطونا فرصة أن نعود أنا والأخ عَمرو موسى للرئيس علي عبدالله صالح، ونحاول أن نجد صيغة، وعاد لنا اللواء عُمر سليمان في كانون الاول 2010، بموافقة علي عبدالله صالح بعقد لقاء في شرم الشيخ، على هامش مؤتمر اقتصادي سيحضره مع الرئيس حسني مبارك، وسنحضر نحن، وسيُشكَّل وفدان شمالي وجنوبي، وتطورت الأحداث وحصلت الثورة. وشاءت الأقدار أن يأتي الرئيس عبدربه منصور (نائب الرئيس) إلى سدة الرئاسة؛ ليواجه هذا الوضع، وهو محرج له وشديد الحرج في معالجة القضية الجنوبية، وهناك قوى كثيرة متنفِّذة هي التي تمنع، مثلاً: لماذا أقرت النقاط العشرون، والآن يقولون إن الرئيس عبدربه هو الذي لم ينفذ، وهذا غير صحيح، بل هم من عطَّلوا التنفيذ.
> من هم؟
- المؤتمر... الإصلاح... بعض القوى المتنفِّذة.
> كيف رفضوا، عبر الحزب أم عبر البرلمان؟
- رفضوه عبر مراكز القوى، مثلاً وزير المالية يرفض تنفيذ تعليمات الرئيس.
> كيف ترى تجربة الرئيس هادي منذ عزل علي عبدالله صالح من الحكم وحتى 21 سبتمبر؟
- أنا أرثي له وما زلت؛ لأنها تجربة شاقة ومريرة، وكانت لديه رباطة جأش في تحمل هذا الوضع الصعب. المبادرة الخليجية كانت ممتازة، ولكن أغفلت قضية واحدة، الشيء نفسه الذي استفاد منه الحوثيون وعلي عبدالله صالح، لم تنهِ نظام علي عبدالله صالح، لو سُحب علي عبدالله صالح من المشهد السياسي كان الوضع تغير تماماً.
> هل سُحب علي عبدالله صالح من المشهد السياسي؟
- لا، ، بل أُعطي حصانةً وأموراً كثيرة.
> ألا تعتقد بأن الخليجيين كانوا يرون هذا المخرج الوحيد، ولإيقاف المجازر المحتملة في ميادين الثورة؟
- أنا أعتقد أن الحسابات لم تكن دقيقة.
> لو كنت مكان الخليجيين.. فما الخيار الأفضل في رأيك؟
- سأترك للثورة أن تأخذ مداها في إسقاط نظام علي عبدالله صالح، ويأتي نظام من الشعب أتعامل معه بالشكل الصحيح، وعلي عبدالله صالح حين أدرك أن الثورة ستسقطه، افتعل الصراع الدموي، فخوّف من أن المنطقة قد تتحول كلها إلى صدام، وهذه حركة من جانبه ذكية جداً، ومن ثم تدخلوا بالمبادرة، قبل المبادرة صرح علي عبدالله صالح بأنه ستكون هناك مبادرة خليجية، وقال في أحد خطاباته يجب أن ننتظر المبادرة الخليجية، بعدها تبنت قطر الفكرة وقدمت المشروع، وغضب علي عبدالله صالح؛ لأن قطر تبنت موقفاً حاداً ضده، وخطب خطبة شديدة، ثم أخذ المبادرة مجلس التعاون الخليجي، وأدخلت عليها بعض التعديلات، وأعتقد أن قطر انسحبتْ، وكانت هذه الثغرة في المبادرة وتُركت. الآن علي عبدالله صالح لا يزال موجوداً بحكم تكوين الهيئات أو القوات المسلحة تكويناً قبلاً عشائرياً، فالولاءات شخصية وليست للمؤسسة أو للدولة، مثلاً فلدى الرئيس عبدربه منصور هادي هياكل، لكن الولاءات لأطراف مختلفة، فعلي عبدالله صالح يمتلك أموالاً كثيرة حصل عليها من الخليج ومن سرقة ثروات الجنوب، ونهب خزانة الدولة اليمنية بشكل عام، وكذلك استغلال مساعدات الأشقاء، يستفيد منها وما زال يستخدمها، علي عبدالله صالح يستخدم أدوات عدة، وله أعداء كثر، وله أهداف عدة.
> ما أهداف علي عبدالله صالح؟ ومن هم أعداؤه؟
- أعداؤه الأولون بيت الأحمر، وعلي محسن الأحمر والذين كانوا شركاءه في الحكم، وكذلك كان الشيخ عبدالله الأحمر، ولكن يبدو أن هناك بينهم خلافات، فاستغلوا قيام الثورة واصطفوا ضده، فأصبحوا أعداءه بشكل مباشر، أيضاً الرئيس عبدربه منصور يصنفه علي عبدالله صالح عدواً؛ لأنه حل مكانه، على رغم أنه حل الإشكال الموجود حالياً، ومن ثم هو يكافح من أجل أن يستعيد السلطة، وأي كلام عن عدم رغبته في العودة للحكم غير صحيح، ومن ثم فالخريطة السياسية تجري بعد حركة 21 سبتمبر بالتنسيق بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح ولم يكمل مشهدها الأخير، وأتوقع أن يكتمل في الأيام المقبلة، وإذا تمكنت من إكمال مشهدها الأخير فسيكون إسقاط الشرعية الهُلامية الباقية، أي شرعية الرئيس، والتي تدعمها الشرعية الدولية وشرعية المبادرة الخليجية، وتثبت شرعية الغلبة.
> ألا تعتقد بأن اتفاق السلم والشراكة الوطنية كان هدفه وأد المبادرة الخليجية؟
- نعم اتفاق السلم والشراكة كان هدفه إسقاط مخرجات الحوار الوطني، وإسقاط المبادرة الخليجية، لكن حاول الرئيس أن يتعامل مع هذا المعطى بحكمة.
وقبل هذا الاتفاق، أي قبل شهر على قناة فضائية قال علي عبدالله صالح، إنه لا يرغب في العودة للحكم، وأن لا طموح في السلطة لدى ابنه، وأن الحكم في اليمن هو رقص على رؤوس الثعابين، وأنه يعوذ بالله من عودته للحكم، وأن الرئيس عبدربه منصور هادي لديه كل السلطات بحكم منصبه دستورياً؟
الكلام قد يقال بأي صيغة، ولكن الحكم على الكلام يأتي عبر الممارسة على الأرض، ومن يتابع ممارسه علي عبدالله صالح يجد أنه يرغب في العودة إلى السلطة.
> هو شخصياً؟
- بشخصه، أو عبر ابنه، أو عبر شخص محسوب عليه، ومن ثم عودة نفوذه، وربما صحته لا تساعده على العودة بشخصه للحكم.
فبعد تفجير مسجد النهدين، كان في حال صحية خطرة جداً، ولاحظ الأطباء عند إسعافه بأنه كان كتلة من الحقد، وأراد أن ينتقم من كل من أسقطوه، وتحمل كل آلام العلاجات، والعلاجات كانت قاسية وشديدة من أجل إعادته للحياة، وفعلاً تحملها.
> أنتم ترون أن تحرك الحوثيين في 21 سبتمبر ودخول صنعاء لم يكونا لينجحا لولا دعم علي عبدالله صالح، وعلى الطرف الآخر ترى بعض الأطراف أن كل خطوة يسعى للحصول عليها «أنصار الله» بعد الأمر الواقع، يكون فيها مكاسب للحوثيين والجنوبيين على قدم المساواة، مستشار للرئيس من هنا ومستشار للرئيس من هناك، رئيس الوزراء المقترح أولاً والذي رفضه الحوثيون كان من الجنوب، رئيس الوزراء الحالي من الجنوب، رئيس الجمهورية من الجنوب، هذا يصنع علامات استفهام عن دور الجنوب في تحرك «أنصار الله»؟
- هذه ليست مكتسبات. هذا عبث أن تأتي برجل وتقول له احكم هنا، وتسلب منه كل أدوات السلطة. إن المكتسب الحقيقي هو علاج القضية من جذورها، وأعتقد أن كلام البحاح كان واضحاً للحوثيين، إما أن تحكموا أو أن تدعونا نحكم، فما يحصل هو استمرار للعبث عبر قول إن 50 في المئة من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني من الجنوب.
> آلاستيلاء على السلطة في الشمال فقط أم أنهم يستقدمون للجنوب ويسيطرون على التراب اليمني كاملاً؟
- الحوثيون لهم تاريخ في الشمال، والمذهب الزيدي له تاريخ من التعايش مع المذهب الشافعي في الشمال، لكن في الصيغة المطروحة حالياً، يحصل الصدام في البيضاء ومأرب، وهذا الصراع المذهبي، أما إذا تطورت هذه الأحداث بدخول الحوثيين إلى الجنوب فسيتحول هذا الصراع إلى صراع مذهبي خطير جداً، وستدخل أدوات كثيرة وقوى كثيرة، لن يستطيع أحد السيطرة عليها، وسيتحول اليمن إلى سورية جديدة أو عراق جديد.
> وهل هذا سيسهم في دور أكبر لتنظيم القاعدة؟
- بالتأكيد، فكلما تغلغل الحوثيون في الجنوب، سمحوا لتنظيم القاعدة بأن يتحرك أكثر، والقاعدة حقيقة تابعة للنظام، النظام عبث كثيراً بملف القاعدة لاستخدامه ضد أعدائه، ولكنه أصبحت مشكلة حقيقية، يقال إن علي عبدالله صالح لديه قاعدة، وعلي محسن الأحمر لديه قاعدة، وغيرهما من الأشخاص لديهم قاعدة.
> كأدوات لأطراف السلطة السابقة؟
- نعم، لكل منهم قاعدة يستخدمها ضد أعدائه ومعارضيه، ولكن أصبحت فعلاً معطِّلة وخطيرة على اليمن والمنطقة، وتعرف أن القاعدة لديها تمدد إقليمي كبير، والآن الحوثيون كلما تقدموا إلى الجنوب أعطوا القاعدة سبباً للحياة، وسبباً لتوافد عناصرها من العالم العربي والإسلامي.
> بمعنى أن المذهب المتسامح الزيدي عندما سيطر عليه المرتبطون بإيران أصبح طائفياً، يقابل «القاعدة» التطرف الآخر في مناطق المذهب الشافعي المتسامح؟
- وهذه مشكلة، فما يحصل في البيضاء الآن، يقابله في أب مشهد آخر، واجتمعت القبائل مع «القاعدة»، أما في الجنوب فلو تمدد الحوثي، فسيتحول إلى صراع طائفي عنيف، ولن يسكت الجنوب على هذا. علاقة الجنوب مع الحوثيين طيبة، ويجب أن تكون طيبة مع كل الأطراف، لكن أن يدخلوا في هذا النوع من الصراع والسعي للهيمنة فهذا ما لا يمكن أن يقبل به الجنوبي.
> إذا أنتم ترون صراع الحوثيين وحركة الإصلاح أو بيت الأحمر وعلي عبدالله صالح، هو صراع شمالي لا يعني الجنوبيين، وقضيتكم هي استعادة الجنوب، وتصبحون ذوي علاقة فقط إذا دخل الحوثيون الجنوب؟
- نعم، هو صراع شمالي، ونحن في الجنوب سواء بقي «أنصار الله» أم رحلوا، فنحن باقون في نضالنا لنيل الاستقلال، واستعادة الدولة، وصنع شكل من أشكال الشراكة مع أشقائنا في الشمال، ويجب على القوى الوطنية إن كانت مسؤولة أن يقروا بأن الوحدة فشلت، وعندها يجب البحث عن صيغة أخرى، ومؤتمر الحوار أوجد الحد الأدنى من المعالجة للقضية الجنوبية، عبر تشكيل الأقاليم، والإيجابي فيه أنه ذكر إقليمي الشمال والجنوب، وإن كان حتى هذا ترفضه القوى الوطنية في الشمال، وعلى القوى الوطنية إن كانت فعلاً قوى وطنية، وليست باحثة عن مصالح حزبية، أن تعترف بأن الوحدة انتهت، ويجب أن يعود الوضع إلى ما هو عليه، وأن نبحث عن صيغة شراكة تستهدف الشعب.
> كيف؟
- كان هناك لقاء تشاوري في «بوتسدام» فسألتهم عن أهدافهم؟ وقلت لهم الهدف الحقيقي أن نحدث أمناً واستقراراً وتنميةً للشعب اليمني أجمع في شماله وجنوبه، لكن قاعدة هذا الهدف هي تحقيق تراضٍ وعدل، أنتم ظلمتم الجنوب وتحاولون إنهاء شخصيته وهويته، تريدون أن يتحول الجنوبي في قريته إلى أقلية، وهذا غير ممكن، وإذا لم يكن هناك جنوب وشمال فهذا هو خطر المستقبل على ابني وحفيدي.
> دعنا نوجه سؤالاً جنوبياً محضاً: هل الجنوب اليوم موحد على هدف مطلق. أليس هناك جنوبيون تربطهم مصالح مع الشماليين؟ أليس هناك جنوبيون يرون تحول اليمن إلى أقاليم موحدة بصيغة فيديرالية أو كونفديرالية حلاً أفضلَ؟
- هناك آراء متعددة في الجنوب، وهي ثلاثة، أولها خط متشدد يرى انفصال الجنوب وقطع صلته تماماً بالشمال، وهذا قد يؤدي إلى صراع عنف في المستقبل، إذا لم تحل القضية الجنوبية، وهناك رأي يرى استعادة دولة الجنوب وتبقى جمهورية الشمال دولة صديقة وجارة، ويمكن إيجاد حركة كونفديرالية كما حدث في أوروبا، ورأي ثالث يرى الوحدة بأكثر من شكل، منهم من يراها بإطار فيديرالي إما بإقليمين أو ستة أقاليم.
> هل تعتقد أن نموذجاً عربياً مثل دولة الإمارات، أو مثل كردستان العراق ممكن التحقق في اليمن، أم هو صعب؟
- ممكن، ولكن إذا ضغط الشماليون بعدم حل القضية إلا كما يرون، فسينفجر الجنوب ولن يقبل بهذا.
> هل تكون نهاية التمرد السلمي؟
- هو نضال سلمي وليس تمرداً، وما زال الجنوبيون يمدون أيديهم للشمال. تعالوا نقر بفشل الوحدة ونبحث عن صيغة أخرى.
> هل تؤيد إجراء استفتاء شعبي على الاستقلال، كما حدث في أسكتلندا؟
- نحن اقترحنا في مؤتمر القاهرة في 2011. الوحدة انتهت ولنعد صياغتها في إقليمين، ونعطي الشعب فرصة التعايش وبقاء الوحدة أو نهايتها، عبر استفتاء شعبي بعد خمس سنوات، وطبعاً الشماليون لا يريدون استفتاء، ولا يريدون الحديث عن تقرير المصير.
الخطير أن هناك بعض الشماليين لا يعترفون أصلاً بوجود جنوب وشمال.
> كأنك تلمح إلى عبارة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بعد الوحدة: «عاد الفرع إلى الأصل»؟
- اليمن لم يكن يمناً سياسياً إلا في العصر الحديث خلال القرن الماضي، ولكن تاريخ حضرموت السياسي قديم، وغيرها من المناطق الجنوبية، المملكة المتوكلية في الشمال لم تأتِ إلا في عشرينات القرن الماضي، ومن ثم يجب ألا يطرحوا مسألة الفرع والأصل.
في اليمن الجنوب كان دولة مستقلة، صحيح كان بسلطنات عدة، لكن كان وحدة سياسية مستقلة عن الشمال.
__________________