[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أصبحت مسألة انفصال الجنوب واردة ومؤكدة كحقيقة عنيدة يمكن أن ترتسم في الأفق وعلى الأرض بخطوط حادة بحلول أبريل من العام القادم، حيث يمكن أن تنفلت حلقات اللهب في بؤر الاحتدام والاضطرام المشتعلة، وأن تتشرذم البلاد إلى جزر من نار وجمر وفحم ومخلفات حروب.
وقد انفتح باب جهنم هذا من وهلة تجاهل المطالب والتظلمات الحقوقية، وفعاليات الحراك الاجتماعي السلمي، ثم مواجهتها بآلة القمع والملاحقة والتنكيل والاعتقال والاغتيال، والضرب بالرصاص الحي والصواريخ، ما دفع إلى الرد على العنف بشيء من صنفه، وتعسكر الحراك وبالأحرى بعضه، والتهبت ساحاته، واختلط حابل (القاعدة) بنابل المتقاعدين العسكريين من الغاضبين والمحبطين، بالميليشيا الممولة من السلطة والمخبرين المقاتلين المزروعين في الجولات ومفارق الطرق كمجانين وشذاذ آفاق وتائهين وتجار خردة وعلكة وأصحاب عربيات مفخخة و... الخ.
واجتذبت الساحات الملتهبة الكثير من الخيوط والأطراف الداخلية والخارجية التي لا تتدخل إلا عندما تنفتح الفجوات الناجمة عن انحسار السلطة وغياب الدولة، وعندما يطول أمد النزاع المسلح وتتسع رقعته وتتفاقم أخطاره وأضراره وخسائره الكارثية.
ولئن قال قائل إن هذا الكلام ينطبق بالحذافير على السودان، وهو كذلك دونما موازبة، فإنه إلى اليمن أقرب، لأن النظام في هذه البلاد لا يستعذب نفسه ويتعرفها إلا في قعر الهاويات، وإن امتنع عن الاستعداد لملاقاة مصيره عبر التوقيع على مواثيق ومعاهدات مكتوبة على غرار ما كان عليه أمر شقيقه التوأم حزب المؤتمر الحاكم في السودان، حين حشرته الظروف والملابسات الخاصة بسياقات التاريخ والجغرافيا، واضطرته إلى التوقيع على اتفاقية نيفاشا، قبل 5 سنوات، ووافق على صيغة الوحدة القائمة على الشراكة والتقاسم مع الحركة الشعبية في الجنوب، والتزم بالعمل المشترك على بلورة صيغة الوحدة الجاذبة التي فشلت وكان حزب المؤتمر الحاكم هو المسؤول الأكبر عن ذلك الفشل، وعن ترحيل الاستحقاقات والأزمات، إلى أن ضاق هامش الوقت والحركة والمناورة، وأزف موعد الاستفتاء على حق تقرير المصير في الجنوب، وصار خيار الانفصال هو الحاسم والمؤكد بحسب استطلاعات الرأي التي تقول بأن أكثر من 90٪ من الجنوبيين سيصوتون للانفصال الذي لن تحول دونه حتى الخوارق والمعجزات، فسيف الوقت لا يرحم، وذلك الاستحقاق المتفق عليه والمرعي دولياً أصبح قيد الإنجاز.
المصيبة أن حزب المؤتمر الحاكم في اليمن يصر دوماً على أن يكون نسخة مشوهة وغير منقحة من أية تجربة عربية عاثرة وخاسرة، ويثابر في سبيل أن يكون التكرار البائس والرث، وذلك ما كان أمر تماهيه وذوبانه بعراق "صدام" بالأمس، ومن أمر تناهيه وتلبسه بحالة بشير الخرطوم اليوم.
وعلى نحو ما فعل البشير الذي تجاهل تظلمات الناس في دارفور التي كانت مطلبية حقوقية في مرحلتها الأولى، واتخذت تعبيراتها في مجرى حراك سلمي صبور، ولم يتعقلها المؤتمر الحاكم هناك، بقدر ما اندفع لمواجهتها بالحديد والنار، واستعان بالميليشيات القبلية (الجنجويد)، وتحولت أرجاء واسعة من دارفور إلى أرض محروقة، ومئات الألوف من السكان إلى ضحايا محرقة، ما أفضى إلى تدويل القضية ومحاكمة قادة المؤتمر الحاكم، بمن فيهم البشير، في محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت قرارها بملاحقته والقبض عليه لمحاكمته بتهمة الإبادة الجماعية و... ولا نهاية لمسلسل الكارثة.
وفي كل الأحوال، يظل أبريل القادم علامة فاصلة وفارقة على زمن قادم يتدلى بشفرات مقصلة محكومة بانتظار رأس حزب مؤتمر حاكم هناك أو هنا، وأوصال كثيرة من هذا البلد أو ذاك، تتخبط في حمى استعادة عناصرها الأولية والأسماء الأولى تبعاً لمنطق التحلل..!
نقلا عن صحيفه النداء