بقلم: د. خالد عبد الله محمد
(يستطيع الناس أن يعيشوا بلا هواء بضع دقائق وبلا ماء أسبوعين وبلا طعام حوالي شهرين وبلا أفكار سنوات لا حصر لها)
أن الدافع وراء عنوان هذه المقالة لشخصية مأمون بيك من مسلسل باب الحارة هو ما شهدته الساحة الجنوبية في الداخل والخارج من مناكفات تضر بالقضية الجنوبية. والحقيقة عند قراءتي ومتابعتي وسماعي للبعض سيطر علي اليأس والحزن الشديد وذهبت إلى ساحل أبين لترمي علي أمواجه الهائجة تلك الأبيات التي قالها فنانا القدير (عطروس) أطال الله في عمره ، عندما قال: ( من الصباح إلى العشي ولا جشع يختشي ولا أمانة تجير.. بنوك للأرقشي وسوق للمرتشي فين اصرفك يا ضمير.. زلط زلط كل شيء وصاحبي الفشفشي عرف سبب هامشي لعلة الطنبشي .. فلا شفى من جرب ولا حذر من خطير.. أرنب يناطح لفيل ثعلب يحرج بجيل رشوة تسكت وكيل صفقة تقزم طويل أدفع معاشي ضئيل أرفض يقولوا بخيل أنقد يقولوا عميل أشحت وأنا أبو أصيل أسرق وذا مستحيل .. الخ).
أن الواقع يا صفوة القوم (التاريخية منها والشابة ) يقول أن الجنوب متحل منذ 16 عام وأن الحرب قد ألغت الوحدة وما هو حاصل احتلال وطمس للهوية ونهب للأرض والثروة . فماذا نحن فاعلون. فقد أصبحت الأرض والثروة بيد الشمال الأعلى ممثلة بالسلطة ، وأصبحت قضية الجنوب وهويته يفصلها على هواه الشمال الأسفل ممثلة بالمشترك ، وجميعهم يسعون لدفن القضية الجنوبية إلى الأبد. وكان واضحا ذلك في احتفالات مرور عشرين عام على إعلان الوحدة (أو عودة الفرع إلى الأصل وفق فهم الشمال) والتي نظمت هذه العام في مدينة تعز ، ولم يأتي اختيار تعز من باب الصدفة وإنما جاء ليقدم الشمال الأعلى عرفانه وتقديره لما قام به الشمال الأسفل على مدى خمسين عام وحتى هذه اللحظة من خيانة وغدر تجاه أبناء الجنوب وبث الضغينة بين أبناءه باسم شعارات كاذبة الهدف منها جر الجنوب أرض وثروة إلى حضن الشمال، وهذا ما صار بفعل ذكاء الشماليين الخارق وغباء الجنوبيين البالغ. وما أدهشني في ذلك الاحتفال خطاب محافظ تعز، عندما جاء في خطابه على ذكر سالمين وقحطان لن يصفق الجمهور الشمالي ، بينما عندما ذكر عبد الفتاح صفق الجمهور، وأضاف المحافظ ، ألم يقل الزعيم عبد الفتاح إسماعيل عبارته الخالدة حين اعتبر الكلمة ركيكة المعنى مجزأة الأحرف ما لم تكن من اجل وحدة الشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي. هكذا يفهم الشمال الوحدة مع الجنوب.
هل يعقل بان يصبح الشيخ والملياردير حميد الأحمر ذلك الشاب أن يسير رجال لها باع في بحور السياسة ويرفضون فيما بينهم بعقد لقاء وفاء لذلك الشعب الذي حكموه طيلة السنوات الماضية ، ذلك الشعب الذي لولاه لما كان اليوم يطلقون عليهم صفات مختلفة ، سيادة ( الرئيس ورئيس الوزراء والوزير والوكيل المدير .. الخ).
أن دول الإقليم والعالم في حيره من أمرهم بسبب ضبابية وتشتت أراء الجنوبيين، رغم وضوح قضيتهم . وهنا أستطيع أن أجزم بأنهم يدركون حجم وعدالة القضية الجنوبية أكثر من القادة الجنوبيين، لكنهم يريدون حامل سياسي واحد للقضية حتى يفتحون قنوات الاتصال معه.
لم أفهم لماذا شخصية مأمون بيك مسيطرة على أفكارنا ، هل نحن أعداء مع أنفسنا، أم نحن قصر، أم أصابنا العمى حتى أصبحنا لا نرى الاحتلال الشمال وعدنا لا نسمع هدير الطائرات والمدافع وهي تدك مدن الجنوب الغالية وتقتل الأبرياء تارة باسم القاعدة وتارة باسم الخارجين عن القانون والخ. أن الحسرة تقتلني كل دقيقة عندما أشاهد واسمع جنوب السودان ذلك الجزء الذي لم يكن دولة في يوم من الأيام يجري الاستعدادات لاستفتاء حق تقرير المصير. فيما نحن الجنوبيين مختلفين من الداخل إلى الخارج ، بل ومختلفين في القرية الواحدة. ما هذا العقلية التي تسيطر عليها الذاتية المفرطة حسب قول الدكتور حيدرة مسدوس أطال الله في عمرة. رغم أن هناك قراري من مجلس الأمن الدولي.
أن عتابي الأول هو على القيادة التاريخية ، فهي المسؤولة عن ما هو حاصل اليوم للحراك الجنوبي ، فرغم خبرتها الطويلة في دهاليز السياسة إلا أن واقع القضية الجنوبية كشف عن عجزها في استيعابها للقضية وإيجاد الحلول المناسبة والشافية لها. والشيء الآخر تفتقد هذه القيادة التاريخية لتحمل بعضهم البعض بسبب تراكمات الماضي. ونسوا بأنهم إذا كانوا هم قطع الشطرنج ، فان الجنوب رقعته ، وبدون الرقعة لا قيمة للقطع مهما كانت مسمياتها. وأقول للشباب بأن لا يلهثوا خلف القطع والرقعة منهوبة.
وأخيراً أقول، أولاً: أن أساس القضية هو التمسك بالهوية الجنوبية. ثانياً: أن لا طريق لحل القضية الجنوبية إلا بتوحيد الحراك ليكون الممثل الشرعي للقضية الجنوبية، وأن يكون شعاره الجنوب أولاً وأخيراً والابتعاد عن الذاتية لأنها هي من أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. ثالثاً: كلما زادت معرفتنا بجوهر قضيتنا زاد فهمنا لحلها وبالتالي زاد تحمل بعضنا البعض. رابعاًً: لا حل شرعي لقضية الجنوب إلا بين الشمال والجنوب. ومن يقول عكس ذلك يبحث أن يكون قطعة من ضمن القطع.
ألف تحية ورحمة على قتلى الجنوب
د. خالد عبد الله محمد
31/8/2010