الجنوبي باعوضه الأدارة العامة
رقم العضوية : 90 تاريخ التسجيل : 25/07/2010 المشاركات : 2011 الدولة : الجنوب العربي العمر : 47
| موضوع: تنفرد «وكالة أنباء عدن » بنشر تفاصيل قصته كما دونها العاقل عميد الأسرى الجنوبيين «بجاش الأغبري»اتهموني بالتخطيط لاغتيال الرئيس والتخابر مع أمير سعودي ومراسلة البيض السبت سبتمبر 25, 2010 5:41 pm | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شبكه باعوضه 25-9-2010
بجاش علي محمد الأغبري الصبيحي .. رجلٌ مفعم بالحيوية وصلابة المراس، جسدٌ نقيٌ يشع من هامة شموخه روح الإباء وقدرة التحدي، إنسان تسامت فيه معاني النبل الصادق والأخلاق الحميدة، رجل تجلد في معمعان النضال والتضحية في سبيل عزة وكرامة شعب وأرض الجنوب الغالي.. من ملامح وجهه الحزين ونظرات عينيه المثقلة بهموم حياته الأسرية، ومن مشاعره الصابرة على مكابدة القهر والضيم ومظالم السلطة المستبدة، تتكشف رزايا التعسف وأوجاع تحمل ما لا يطاق على حمله من عذابات السجن وأهوال المعاناة، التي يدفع ثمن حبه لوطنه وشعبه سنوات عمره في أقبية وسراديب السجون تحت الأرض، وزنازين الاعتقالات المظلمة التي أمضى فيها أجمل سنوات عمرة، حيث وصل الحقد ضده من أجهزة سلطة صنعاء البوليسية أن تضعه في زنزانة ضيقة لمدة أربع سنوات لا يرى فيها الضوء ولا يشم فيها الهواء الطبيعي، ويتجرع مرارة تناول ثلاث وجبات من قوالب (الكدم) مع قليل من الماء المسموح ارتشافه يقدم له بواسطة جنود الحراسة المشددة. وقد لا يصدق البعض بأن ما سنرويه من حقائق مثيرة عن هذا الرجل الصنديد والذي استحق أن يطلق عليه المعتقلين والأسرى السياسيين على ذمة الحراك السلمي، بـ "عميد الأسرى الجنوبيين"، لما يتصف به من شجاعة وصبر طوال سنوات اعتقاله، بأنه فعلا من عاش وواجه تلك الأحداث والمغامرات والتي نجا من بعضها بأعجوبة، لا يسلم من عواقبها المميتة إلا من كتب له الله العلي القدير عمرا مديدا وحظا سعيدا بالبقاء على قيد الحياة!!. السيرة الذاتية لبجاش الاغبري: من مواليد عام 1958م بقرية هقرة المضاربة بمديرية الصبيحة محافظة لحج، تربى في كنف أسرة فلاحيه فقيرة، تعتمد في حياتها ومصدر دخلها على الزراعة الموسمية وعلى أساليب الرعي البدائي، عانى من الحرمان وشظف العيش، لكنه رغم الأحوال الاجتماعية شديد العوز والفقر، تربى على قيم الشهامة والرجولة المتأصلة على طبائع العفة والنزاهة وحب الخير والعمل الصالح لخدمة المجتمع في ذلك الوسط الاجتماعي المحروم من أبسط مقومات الحياة العصرية، فضلا عن اكتسابه صفات التواضع ودماثة الأخلاق وقوة العزيمة وروح الفداء والاستبسال في الحالات الطارئة والعصيبة. في أكتوبر من عام 1974م، التحق مناضلنا الجسور بجاش الأغبري في العمل العسكري كجندي بوزارة الدفاع لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتحق بدورات تأهيلية في مجال المسح الميداني لزراعة الألغام والعبوات الناسفة، بعد كارثة الأحداث الأليمة عام 1978 والمعروفة بأحداث الشهيد الخالد الرئيس سالم ربيع علي (سالمين)، أضطر الشاب بجاش النزوح إلى الجمهورية العربية اليمنية، وبقي هناك يعمل في تشذيب (توقيص) الأحجار الخاصة بالبناء. ونتيجة الحماس القومي ومشاعر العروبة التواقة، تمكن من مغادرة صنعاء إلى سوريا عام 1981م، وهناك التحق بجيش المقاومة التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية (فتح)، وبقي فيها عامين ثم تحول إلى الجبهة الديمقراطية (نايف حواتمة) وحصل على دورة قصيرة في المدرسة الحزبية، وبعدها انضم مقاتلا في كتيبة أبو يوسف النجاح، وكلف بمهام نائب سرية الشهيدة (دلال المغربي).. وفي عام 1982، اختير من قبل المناضل الفلسطيني (قيس أبو ليلى) مع أربعة من الأبطال الانتحاريين، للقيام بعملية انتحارية ضد مواقع عسكرية إسرائيلية بجبل لبنان، حيث وضع أبو ليلى خطة الهجوم الانتحاري ورسم طريقة الإعداد والتنفيذ لتلك العملية، وفي مساء ليلة 5/8/ 1982، قرر الانتحاريون مهاجمة موقع نقطة مراقبة للجيش الإسرائيلي الذي كان فيه الجنود الإسرائيليين يمرحون ويبتهلون باجتياح الجيوش الإسرائيلية للبنان ويتفرجون من موقعهم كيف تدك قنابلهم العدوانية والإجرامية مدينة بيروت الحبيبة، وبتوقيت مناسب هاجمت المجموعة الانتحارية الموقع وتمكنت من قتل حوالي 17 جندي منهم ثلاثة ضباط وتدمير وإحراق عربة مدرعة وسيارة جيب، وأثناء الانسحاب أمطرت المواقع العسكرية الإسرائيلية الأخرى المجموعة وابلا من القصف الكثيف مستخدمة مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، ونتيجة ذلك أصيب البطل الانتحاري بجاش الأغبري بطلقة نارية اخترقت الجزء الأيمن للبطن وهشمت الحلقة الخامسة من العمود الفقري، وبرغم محاولة زملائه الفلسطينيين الأبطال حملة وإسعافه تحت كثافة القصف الإسرائيلي، وخطورة التأخير وبطء الانسحاب والوقوع في الأسر، إلا أن الفدائي بجاش طلب من زملائه الهروب والنجاة بجلودهم وتركه لوحده حتى لا يقعوا جميعهم تحت قبضة الإسرائيليين. بعد اقتناع الفدائيين الفلسطينيين بذلك المقترح وتوديعهم لرفيقهم بجاش، تمكن هذا الرجل الجسور من الزحف (الزحك) بصعوبة إلى داخل مزرعة لبنانية مغطاة بأشجار الزيتون والكروم، وعند طلوع الصباح شاءت قدرة الله أن تلهم صاحب المزرعة اللبناني بالعثور على بجاش الذي كان في تلك اللحظة في حالة إغماء بفعل النزيف وخطورة الإصابة. تمكن اللبناني من إسعاف الجريح إلى مستشفى في البقاع، ثم تولت إدارة المستشفى إسعافه إلى دمشق، وبحكم خطورة الإصابة قرر الأطباء السوريون والفلسطينيون سرعة إنقاذ حياة بجاش بنقله فورا على استكهولم عاصمة السويد برعاية منظمة الصليب الأحمر السويدية، وبرفقة المناضلة الفلسطينية ليلى الخالد. الشفاء وعودة بجاش إلى عدن الحبيبة (الحلقة الثانية) بعد شفاء المناضل الجنوبي بجاش علي محمد الأغبري الصبيحي من الإصابة في العاصمة السويدية استكهولم عاد مباشرة إلى دمشق وحضي باستقبال ورعاية من قبل قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومنحته منحة دراسية في المانيا الديمقراطية حينها، وقبل أن يسافر للدراسة أضطر تحت لظى الشوق والحنين للأهل والوطن زيارة أسرته في عدن، وعندما وطأت أقدامه مطار عدن الدولي (حينها!!) كان في استقباله (أبو فراس) ممثل الجبهة الديمقراطية، وبقي مدة أسبوعين بمنزله الكائن بمدينة الشعب، وحين قرر السفر للدراسة في المانيا تفاجئ بمداهمة منزله من قبل أجهزة الأمن وتم اعتقاله والزج به في سجن الفتح (كان الهدف من ذلك الاعتقال كما ذكر بجاش له مبرراته السياسية والوطنية)، وعندما علم أبو فراس باعتقال بجاش تدخل لدى الحكومة وبخاصة لدى الشهيد المناضل صالح منصر السيلي وزير أمن الدولة حين ذاك. فكان رد السيلي لممثل الجبهة الديمقراطية (بجاش نحن بحاجته) .. وفعلا أطلق سراحه واستدعي من قبل وزير أمن الدولة وكلف بجاش بعدة مهام إدارية في عدن، أضطر بعدها مغادرة أراضي الجنوب سرا لكي يسافر للدراسة إلى ألمانيا.. ولكن للأسف وقع بجاش في مصيدة المخبرين لجهاز الأمن الوطني بالجمهورية العربية اليمنية، وتم القبض عليه بتاريخ 29/6/1984 بتهمة التجسس والتخابر لصالح النظام السياسي في عدن، وأودع سجن (دار البشائر) في زنزانة انفرادية مظلمة وهو مقيد بالسلاسل الحديدية بكلتا يديه ورجليه !!. أمضى بجاش في سجن دار البشائر سنة وأربعة أشهر يتجرع كؤوس الضيم والقهر دونما تعلم أسرته بمصيره ولا أصدقائه، كانت المعاملة قاسية لا رحمة فيها ولا شفقة وكان حراس السجن وبعض قادة الأمن الوطني يتناوبون على تعذيبه بكل وحشية، بل كانوا كما قال يخرجوه في فترات اشتداد البرودة في أيام فصل الشتاء وهو مقيد فيلبسوه معطف من سترات الجنود القذرة ثم يقذفوه في بركة من الماء، حيث تكون درجة تجمد الماء عند درجة الصفر، ويستمروا بغمره عدة مرات إلى أن يوشك جسده وحركة جريان الدماء في عروقه على التجمد مع الماء في تلك البركة الراكدة بالماء الآسن؟؟ وكان يشرف على تعذيبه ثلاثة أشخاص مازالوا على قيد الحياة وهم (عبد ... ال... ش) وعبد ..... م) والثالث أسمه (المؤيد)، وحينما عجزوا من انتزاع ما كانوا يرغبوا الحصول عليه من معلومات استخباراتية طوال أكثر من ثمانية أشهر، قرروا السماح له بالخروج من الزنزانة المظلمة إلى الحوش العام للسجناء (الديوان حسب التسمية الأمامية)، وأثناء بقائه في الحوش العام للسجناء تعرف على شخصين وانسجم معهما من بين أكثر من ستين سجينا جميعهم مقيدين مثله بالسناسل الحديدة مع كتلة حديدية تمنع سهولة الحركة. يقول بجاش : في أحد الأيام وبعد أن جمعت مع الزميلين (محسن غيلان من حجة) و (يحيى الوشاح من بني الحارث ) معلومات عن طبيعة مداخل ومخارج سجن دار البشائر، وضعنا خطة محكمة لكيفية الهروب من السجن، وحين ضمنا نجاح الخطة وتوافر العوامل المساعدة على المخاطرة ومغامرة المجازفة، تعاهدنا الثلاثة على عدم التراجع أو الخيانة بكل منا بالآخر.. فتمكنا بحفظ الله من الهروب ليلا حسب الخطة دون أن يعرف بنا حراس السجن التسعة، والشيء العجيب أننا استطعنا من ربط ثلاث (سماطات) كشائد الواحدة بالأخرى وهبطنا بها نصف مسافة الهاوية الجبلية المحيطة بدار البشائر، ثم نرتمي بأجسادنا بقية المسافة إلى حيث يمكن للحظ أن تقع به كل من ثلاثتنا!!.. وبهذه الطريقة الخطيرة تمكنا من التحرر واللجوء إلى المناضل الشيخ (محسن أبو نشطان) والذي كان له علاقة وطيدة مع قيادة نظام دولة الجنوب ومنهم الشهيد المناضل صالح منصر السيلي".. وبعد بقاء المناضل بجاش الاغبري في استضافة الشيخ أبو نشطان بضعة أيام قرر تهريب هذا الرجل الجسور والمكافح بصلابة وتحدي وإيصاله عبر أراضي محافظات الجوف ومأرب إلى شبوة ومنها إلى سيئون بحضرموت ثم إلى عدن الحبيبة عاصمة جنوبنا الغالي. يقول بجاش : لقد عدت إلى عدن بعد رحلة مع الموت المحقق وبعد أن نالني ما لا يخطر على بال وما لا يصدقه ضمير إنساني من تعذيب ومعاناة، كنت خلالها لا أصدق نفسي بأنني ممكن يشاء لي الله سبحانه وتعالى بالعودة إلى وطني وإلى منزلي وأعيش بقية عمري بين أفراد أسرتي وفي خدمة شعبي ودولتي التي وجدت في ظلاها الرعاية والاهتمام بعد حرية خروجي من تلك الأهوال والمقابر البشرية، وأقول بكل قناعة أن تلك المعاناة والمواجهة مع مختلف أنواع وأشكال الموت المرافق لي في كل خطوة حتى هذه اللحظة التي أتحدث معك فيها، لم تكن كما قد يظن البعض بأنها مغامرات بهدف الكسب غير المشروع، أو حبا في الشهرة والحصول على المناصب المغرية وجمع الثروة والجاه، فذلك (حيشاء) الله لم تخطر علي ببال، ولم أفكر يوم بشيء مادي أو مصلحة أنانية ذاتية، ولكنها عزيمة وقوة كامنة بداخلي أعتز فيها وقبلت بفضلها بعد الله تحمل كل هذه المتاعب والآلآم التي أدفع ثمنها من أجل حبي لوطني وشعبي، ولم الحق الأذى بشخص يمكنه اليوم أن يتهمني بأدلة وبراهين على أني ارتكبتُ حماقات سيئة ضده، رغم أني كما ترى أمضي العام 16 من عمري في السجن بتهم سياسية كيدية نسبت إلي من قبل وشاه أوغاد لا سامحهم الله. بجاش الاغبري أول سجين سياسي جنوبي واحد أبرز ضحايا التقاعد القسري (الحلقة الثالثة) لأبناء الجنوب يعد المناضل الجنوبي بجاش علي محمد الأغبري الصبيحي، من أوائل ضحايا التعسف القهري الذي تعرض له أبناء الجنوب، بعد هزيمتهم النكراء في حرب الاستباحة والاجتياح العدواني لأراضيهم الجنوبية في 94م، وما نتج عنها من تسلط همجي وسلوك إجرامي من قبل جيوش المنتصرين والفاتحين أبواب الغنائم لجحافل الفاسدين والمنتقمين من (الوحدويين) الانفصاليين !!. في مطلع عام 1995م، وجد بجاش نفسه ضمن عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين شملتهم كشوفات المبعدين قسرا والمسرحين ظلما، والمفروض عليهم بالقوة نظام التقاعد الإجباري، رغم أن خدماته الفعلية حينها لم تتجاوز 21عاما، وعمره لا يزيد عن 37 عاما؟؟. وهذه الحالة الانتقامية القاتلة التي طالت الكفاءات والكوادر والمؤهلين علميا ومهنيا وثقافيا من أبناء الجنوب، كانت الضربة القاضية والطعنة الغائرة في جسد الوحدويين (المهزومين)، بل كانت الدليل القاطع على مدى الحقد والكراهية المتأصلة في قلوب رموز نظام السلطة القبلية وهرمها الاستبدادي. وما يؤسف له من تعامل ضد كل المسرحين قسرا ومنهم (بجاش) لم يقتصر ذلك التعسف اللاإنساني، على مناضلنا الجنوبي في رميه إلى رصيف البطالة والاغتراب الاجتماعي والفقر والعوز الاقتصادي، بحرمانه من وظيفته الرسمية وراتبه الشهري وحقوقه المكتسبة فحسب، ولكن الأمر طال حدود ما لا يقبله عقل أو ضمير، حيث امتدت همجية العابثين ونزوات المستبدين، لتستولي على منزل (بجاش) المتواضع وسيارته الخاصة وأيضا الاستيلاء على مساحات أرضية مستحقة صرفت له بعقود رسمية ومشروعة من قبل دولة ونظام (الوحدة الاندماجية) والمسماة (بالجمهورية اليمنية) والتي لم يعد لها وجود في حقيقة الأمر منذ ذلك اليوم المشئوم 7/7/ 1994م سوى إطار وهمي تختفي ورآه (الجمهورية العربية اليمنية!!؟؟. عندما صار (بجاش) مثل كثيرين غيره من المناضلين الشرفاء والصابرين والمغضوب عليهم، خارج مجال الحياة الكريمة يهيم على وجهه في شوارع التوهان والفراغ المجهول، تتجاذبه عواصف الحرمان وتلفحه عذابات الانتقام، حاول بصلابة مراسه وقوة احتماله أن يتكئ على آمال وأحلام الماضي المثخن بسراب التغني بوحدة اليمن أرضا وإنسانا، ويسند ظهره لظنون التوقعات الشاردة خلف حدود الواقع، فلم يجد لنفسه بعد طول انتظار من سبيل لإنقاذ حياته وحياة أسرته المعيشية غير الرحيل إلى مناكب خارطة الوطن الموجع بأنين النهب والخراب، فقرر الذهاب إلى أقصى الأطراف الشرقية (محافظة المهرة) لعلى وعسى أن يشاء له الله بالحصول على عمل أو وسيلة شريفة يستطيع بها كسب رزقه ومصدر لدخله الاجتماعي لتأمين حياة أسرته الكريمة. وهناك عند حافة الضياع وتحت ظروف اليأس والتشرد، وجد (بجاش) في مدينة الغيضة الرابضة بحزنها تضمد جراح المئات من النازحين والمطاردين، كانوا يعتقدون أنهم في مدينة الأمن والسلام، سيكونون في مأمن من جواسيس العسعس والمخبرين الذين يتنافسون في سباق محموم لجمع الغنائم، وكسب الولاء والطاعة لإرضاء زعماء النصر العظيم، لكن (بجاش) رغم حظه العاثر وخيبة الآمال تمكن من جمع شمل المطاردين والمتهمين جزافا بالخونة والمتآمرين على وحدة الفيد (المباركة) للصوص والفاسدين، فشكلوا هيئة إنسانية أطلقوا عليها (المنظمة الوطنية للعدالة والمساواة) على أمل أن النظام القادم والزاحف بمعاول الهدم، قد يرضى ولو عن مضض بتلك الهيئة ضمن تكوينات منظمات المجتمع المدني، والتي اختار النازحون في محافظة المهرة، أن يكون المناضل بجاش الاغبري رئيسا للهيئة أو المنظمة.. في يوم الخميس 4/8/ 1995م، استطاع المخبرون (الأنذال) من الإيقاع بوشاياتهم الماكرة ضد بجاش، فتمكنت أجهزة النظام القمعي من اعتقاله والزج به في سجن (الغيضة) ثم تكرمت بعطفها بنقله على عاصمة السجون (صنعاء)!!؟ ولأن التهم المفبركة ضد هذا الرجل المخلص لوطنه وشعبه، لم تقتنع بها لجنة التفتيش من النيابة العامة، التي نزلت إلى السجون حينها، فأصدرت توجيهاتها الحاسمة بإطلاق سراح المعتقل ظلما وعدوانا (بجاش). ولكن يا لغرابة المزاج الانتقامي، فقد قبل جهاز القمع الإفراج عن المتهم من سجن الأمن السياسي بصنعاء، ونقله بصورة (سرية) إلى سجنه السابق في مدينة الغيضة.. وهناك أمضي (رجل التحدي) وأول سجين سياسي جنوبي في عهد النظام الفوضوي (بضعة أشهر ) حسب مكرمة (صناع الوحدة أو بناة فقر اليمن السعيد)!!؟؟. لا يعلم بمصيره إلا الله ومرتكبي الحماقات السياسية.. ونظرا للمصير المجهول الذي ينتظر بجاش، خصوصا وأن عنجهية المتشدقين بانتصارهم الحاسم، ما زالوا في قمة نشوتهم لارتكاب جرائمهم التصفوية ضد ضحاياها الأبرياء، لتلقي بهم في غياهب الانعدام!!، أو في أحسن الأحوال تدوسهم بمنجزاتها العملاقة!!. فقد أبلغ بجاش من قبل أحد الضباط الغيورين من أبناء يافع الأوفياء، بأن أجهزة السلطة تنوي نقله إلى مكان آخر ربما إلى تعز أو إلى سجونها تحت (طئاطيء الأرض)!!. وقال له ذلك الضابط (دبر أمرك)!!؟؟. ونتيجة ذلك أخذ بجاش البلاغ بمحمل الجد، فأيقض فيه قدرات الحنكة والذكاء ومهارة تفويت فرص الاستمتاع بتعذيبه، فكان له ما أراد، حيث استدرج حراس السجن بطريقة فنية اعتمد فيها على توثيق علاقته الحميمة بهم، وعندما تهيئت الظروف المناسبة للسجانين والسجناء، تمكن من الهروب مع أحد جنود الحراسة الشماليين الذي يعاني من البؤس والفقر ويعول أسرة كبيرة، مقابل مبلغ من المال وتسهيل سفره للعمل بدول الخليج.. بعد ذلك بقي السجين (الحر) بجاش يتنقل في مختلف مناطق ومديرات محافظة المهرة، تمكن من خلالها في توطيد علاقات المودة والاحترام، مع جميع السكان الذين اكتسب مودتهم وثقتهم في روابط العزة والشهامة والقيم الحميدة، فكانوا من شدة حبهم له وإعجابهم بشجاعته ونزاهة أخلاقة، يبدون استعدادهم في قبول نصائحه وتنفيذ توجهاته في شؤون حياتهم الخاصة والعامة، لذلك فقد وصل حسن الضن ببجاش عند الكثير منهم إلى تسمية مواليدهم باسمه، رغم ما لهذا الاسم من غرابه في المجتمع المهري.. ومع أن حالة السجناء في سجن الغيضة يبعث على الرثاء والشفقة لما يعانوه من تعذيب نفسي وجسدي، ومن إهمال وتسويف في قضايا اعتقالهم ومحاكماتهم غير العادلة، فقد كان وضعهم هو الشغل الشاغل في تفكير وإحساس الضمير الإنساني عند المناضل الصادق والمخلص (بجاش). لهذا قرر التخطيط لمداهمة السجن مع مجموعة من الأبطال وتحرير السجناء من عذابهم المهين. فماذا حدث في ظهيرة يوم الجمعة من يوم 2 سبتمبر 1996م؟؟؟ هذا ما سنجيب عليه في الحلقة التالية . بجاش الأغبري الصبيحي ومزاعم إسقاط طائرة الرئيس.. (الحلقة الرابعة). في الحلقات الثلاث السابقة المنشورة في صحيفتنا الغراء (النداء) استعرضنا بإيجاز بعض المحطات والمواقف العجيبة والحزينة التي كابدها وتجرع مآسيها وأهوالها رجل العزيمة والصبر وقوة المراس، المناضل الجنوبي (بجاش على محمد الصبيحي)، وهذا الوصف الحقيقي لا لبس فيه أبدا، ولا أسمح لنفسي أن اتزلف بأوصاف التمجيد والتهويل المزيف، كما هي عادة المنافقين ودواشين التهريج السلطوي، أو نوعا من الإسراف اللفظي العبثي لشخص خيالي خارق لنواميس العادات الاجتماعية وقوانين الحياة الطبيعية. ولكنها لمن يعرف ويعايش الصفات الأخلاقية والظروف النفسية والمادية الصعبة، وجور المعاناة التي تتجاوز حدود القدرة الإنسانية على التحمل لمثل ذلك الصنف الشامخ من بني البشر، تعتبر بحق صفات نادرة لإنسان تقاذفته تيارات المكايد والأحقاد التعسفية، وأهدرت حياته وسنوات عمره شطحات النوازع الذاتية لأشخاص نافذين في السلطة، تستهويهم رغبات المتعة في تعذيب ضحاياهم الأبرياء.. وتواصلا مع وقائع الأحداث المؤلمة التي ما زال يتلوى تحت وطأة أوجاعها، الرجل الأسطورة (بجاش الصبيحي) حتى هذه اللحظة، فقد تمكن في يوم الجمعة 20 سبتمبر 1996م، مع مجموعة من زملائه من إتباع أسلوب الحيلة والخديعة بجنود حراسة السجن والذين كان عددهم بنحو 17 جندي، مستغلين الوضع السياسي السائب والمنفلت بالمهرة، وحالة الإهمال وتجاهل سلطات النظام المنتشية حين ذاك ببطولاتها الدموية، لأوضاعهم وحقوقهم المعيشية، فقرر (بجاش) مع زملائي التنسيق مع أحد الجنود الأوفياء والمكلف بفترة (نوبة الحراسة) لذلك اليوم، على أن نرتب وليمة دسمة كوجبة غداء، لإدارة السجن وجنود الحراسات، حيث كنا ندرك تماما كيف سيتهافت الجنود على مثل تلك الوليمة، ونعلم أنهم سينسون أنفسهم وأسلحتهم عندما ينهمكون لتناول تلك العزومة النادرة!!. وبالفعل تزاحم الجنود على الوليمة بصورة تبعث على الشفقة والرثاء، وحرصنا حسب الخطة أن يلتف الجنود على صحن الوليمة بصورة جماعية وعلى شكل حلقة مستديرة، وهم داخل غرفة الحراسة التي سيضعون أسلحتهم في أماكن تبعد عن مكان الوليمة مسافة يصعب على أي منهم النهوض للامساك بسلاحه، وحين تهيئة لحظة الحسم، باغتنا الجنود بإشهار أسلحتنا الآلية في وجوههم محذرين أي منهم أن لا يتحرك من مكانه، وإذا حاول أي واحد منهم فإننا سنطلق النار عليهم جميعا، وبحكم معرفتنا للجندي الذي يحمل مفاتيح غرف وزنازين السجن، فقد طلبنا منه أن يقوم بعملية فتحها والسماح للسجناء من مغادرتها فورا. وبعد نجاحنا في عملية إطلاق سراح السجناء، أجبرنا جنود الحراسة على أن يخرج كل منهم بصورة انفرادية والتوجه إلى الزنازين المظلمة والقذرة وهو مجرد من سلاحه، وبهذه الطريقة تمت العملية والمهمة بدون مشاكل، وبعدها قمنا بإغلاق أبواب الزنازين عليهم بإحكام، ثم انطلقنا بحرية وأمان باتجاه مخابئنا المحصنة في جبال محافظة المهرة.. بعد ذلك بقيت مع بعض الزملاء نمارس نشاطنا الخدماتي في كسب رزقنا اليومي بالعمل مع سكان المهرة (البدو) الذين ترسخت بيننا وبينهم علاقة من الود والاحترام، وفي يوم 12/12 1996م، علمنا أن رئيس نظام سلطة الاحتلال سيصل مطار الغيضة في زيارة للمهرة في إطار برنامج زياراته المكوكية الاستعراضية إلى محافظات الجنوب، بعد اجتياحها بالقوة العسكرية والقبلية في صيف 94م، وكانت تلك الزيارة تعبيرا عن حالة التباهي وشطحات العظمة بنشوة الانتصار العظيم على من أسموهم زورا وبهتانا بقوى الردة والانفصال، وهذا الانتصار في مفهوم الوعي الإنساني وقوانين الحياة المعتادة في تاريخ شعوب الكرة الأرضية، يعد انتصارا عجيبا ومثيرا لضوابط الأعراف السياسية والاجتماعية في واقع العصر الحديث، فليس من المعقول أن يحتل نظام متخلف بعاداته وتقاليده الثقافية تحكمه وتدير شئونه عقلية قبلية تتكون أساسا من زعامات عائلية وأسرية ومذهبية، لنظام دولة ذات سيادة عرفت منذ زمنا طويل بسماتها المدنية والحضارية، وطبيعة سكانها في احترام النظام والقانون، فضلا عن هيبتها ومكانتها الإقليمية والدولية من حيث قدراتها التسليحية والعسكرية، وهذه الحالة الشاذة جعلت من زعيم الاحتلال يقوم بتلك الزيارة إلى المهرة بهدف فرش ريشه الطاؤوسية، متفاخرا بنفسه وببطولاته، ومثيرا لنكى الجراح لمن أوقعه في مصيدة خديعة الوحدة، والمنفي قسرا في سلطنة عمان الشقيقة، والتي سيكون (المطرود) حسب التفكير العنجهي للفارس الهمام على مقربة من حشود المهرجان الجماهيري المصفق والمرحب غصبا وتكلفا بصانع المعجزات، والقادم على عجل لافتتاح ووضع حجر الأساس لمشاريع الوهم والكذب والتضليل . "وعندما علمنا قبل يومين بتلك الزيارة، اقترحتُ على بعض الزملاء أن نحضر ذلك المهرجان لنتلمس مدى رغبة أبناء المهرة ونسبتهم في الحضور، مقارنة بفيالق من الألوية العسكرية والأمنية التي رافقت زعيمها وستحتشد في ساحة العرض لتظهر للمشاهدين مستوى الزخم وضخامة المهابة وشدة التصفيق والزعيق بحب الفارس الهمام. ولكن للأسف كان الواشون والمنافقون من بين مجموعتنا قد أسرعوا في إبلاغ أجهزة الأمن بمكان وجودنا، وتم القبض علي يوم 11-12- 1996 أي قبل زيارة الرئيس بيوم واحد، متهميني شخصيا بأنني أخطط مع عصابة إرهابية لقصف طائرة الرئيس وإسقاطها قبل هبوطها أو أثناء إقلاعها من مطار الغيضة. وهذه التهمة الكيدية والباطلة هي الحبكة المفتعلة التي استطاع الوشاة مع قيادات في أجهزة السلطة الأمنية والعسكرية، أن توهم الرئيس والرأي العام المحلي والعالمي، على أنني كنتُ انوي اغتيال رئيس الجمهورية بواسطة إطلاق صواريخ جوية مخصصة لإسقاط الطائرات" .، وهي التهمة السياسية الخطيرة جدا، والتي بها نجح المنافقون والمجرمون الحقيقيون من خداع أجهزة الأمن والقضاء غير العادل من نسج الروايات التضليلية والظالمة ضد المناضل الجنوبي بجاش الصبيحي!!. وهناك تهما أخرى لا يقبلها عقل ولا منطق سنتناولها في الحلقة التالية .. بجاش الصبيحي في قفص الاتهام (الحلقة الخامسة والأخيرة).. عندما نجح الوشاة والحاقدون والذين للأسف خانوا العهود والمواثيق وشرف الزمالة مع المناضل (بجاش الصبيحي)، بتبليغهم أجهزة أمن السلطة عن مكان وجوده، وهم اثنان (طارق أحمد ثابت، وسعيد سليمان بن نيلة. يقول بجاش : تفاجئت صباح يوم الأربعاء 11-12- 1996م، بمحاصرة مقر إقامتي بالمهرة من قبل حوالي عشرة جنود بينهم أربعة ضباط (كما أذكر) وهم ينادوني بمكبر الصوت لتسليم نفسي وكانوا في حالة استعداد لمهاجمة المكان بإطلاق القذائف والرصاص إذا أنا حاولت مقاومة تهديهم العدواني !!. ولأني على ثقة من نفسي بعدم وجود مثل تلك المزاعم الكيدية في تفكيري لاغتيال الرئيس كما حبكوا اتهاماتهم الكاذبة بإسقاط طائرته بالصواريخ !!. فقد سلمت نفسي طواعية وبصورة سلمية رغم قدرتي على المواجهة وعدم الاستسلام إن كنت فعلا حسب زعمهم أنوي تنفيذ ذلك المخطط الإجرامي باغتيال رئيس الجمهورية. وبصورة استفزازية قبضوا علي وأودعوني السجن بدون تحقيق، وبعد ثلاثة أسابيع من جريمة القبض بالمهرة، نقلوني إلى السجن المركزي بصنعاء، وزجوا بي في زنزانة انفرادية وقيدوني بالسلاسل الحديدية، وبقيت على هذه الحالة التعذيبية لمدة عشرة شهور وستة وعشرون يوما. لم يسمح لي حتى برؤية السماء وملامسة أشعة الشمس وشم الهواء الطبيعي، كما منعوا عني الزيارات والتحدث مع السجناء، وكان طعام الغذاء يقذف من فتحة تحت باب الزنزانة كأنني (...؟؟). في يوم 18-11- 1997م، عقدت المحكمة أول جلساتها لمحاكمتي، فإذا بي أمام جموع غفيرة من الحضور معظمهم يقومون بحركات تهويلية عجيبة، ولديهم معدات وأجهزة إعلامية حديثة ومثيرة شاهدت لأول مرة الصحفي أنور العنسي مراسل قناة الجزيرة، وهو يتمخطر بزهو وكبريا، فاعتقدت أثناء جلوسي في قفص الاتهام أن هناك عصابة خطيرة سيتم إحضارها لمحاكمة أعضائها في تلك الجلسة، وبقيت في حالة انتظار دخول أفراد العصابة ليقفوا بجواري.. وكنت حينها أطوف بنظراتي في أرجاء المحكمة وأطالع وجوه الحاضرين وأنا مبتسما ورابط الجأش على اعتبار أن لحظة العدالة والإنصاف التي طال انتظارها قد حانت وما علي إلا الاستعداد لسماع منطوق الحكم بتبرئتي من مزاعم تهمة الاغتيال وإطلاق سراحي فورا. لكن ..وآه من كلمة (ولكن) حدث ما لم يكن في الحسبان.. فقد سمعتُ كلمات وعبارات واتهامات ووقائع لا أدري من الذي نسج بخياله حكايات قدرتي القيام بارتكابها لوحدي (!!). والغريب في كل ما حدث والذي لم أقدر على تفسيره حتى هذه اللحظة وبعد مرور أكثر من 13 سنة وتسعة أشهر، هو ذلك الإخراج المثير عندما شاهدتُ أكوام من مختلف الأسلحة وأسلاك المتفجرات وعدد من الكراتين والعلب الخاصة بالذخيرة الحية وقذائف ال- ر- بي- جي.. ومجموعة أخرى من أنواع أسلحة القوات المسلحة اليمنية وهي مرصوصة بقاع المحكمة، وزاد من حيرتي واندهاشي حينما رأيت الصحفيين وعدسات كيمراتهم ومراسلي القنوات الفضائية ووكالات الأنباء تسلط أضوائها على تلك الأسلحة وعلى صورتي الواقف بهدوء واتزان وشجاعة داخل قفص الاتهام، وبينما أنا أحاور نفسي وأتساءل عن سر هذه الترسانة العسكرية الموجودة في قاعة المحكمة، وعن هذا الاهتمام بالتصوير والمزاحمة لالتقاط الصور لي ولرئاسة المحكمة والحاضرين، أيقنت ُحينها أن هناك مؤامرة سياسية خطيرة لها أبعادها ومراميها الخبيثة، أعُدت لمحاكمتي والتخلص مني .. فقررت في تلك اللحظة خيار التحدي والمواجهة، مبديا رفضي المطلق لتلك المزاعم الكاذبة بالنسبة لمحاولة الاغتيال رئيس الجمهورية، لكني في نفس الوقت اعترفتُ أن ما تم العثور عليه معي من أسلحة هو عبارة عن سلاح آلي شخصي وستة مخازن رصاص وبعض القنابل اليدوية، هذا فيما يخص الحقيقة والمصداقية، ومع ذلك فوجئتُ بقاضي المحكمة وهو يقرأ ملفا ضخما ويسرد روايات عجيبة، كانت تصفني برجل خارق للعادات والقوانين الطبيعية والبشرية. حيث انبرت النيابة بحيثياتها الحاقدة والتي لم تكتف بروايتها التضليلية بمخطط قصف طائرة رئيس الجمهورية فحسب، بل وصل الأمر إلى اتهامي بعمليات وهمية مثل التخابر مع أحدى الدول العربية المجاورة لليمن والمعادية للنهج الديمقراطي كما زعموا !!؟؟. فضلا عن أتهامي بمراسلة قادة الجنوب المنفيين خارج وطنهم ومنهم المناضل الوطني القدير الرئيس علي سالم البيض والمناضل الفذ هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع ،بالإضافة إلى مراسلة الأمير محمد بن فهد السعودي حول عمليات التنسيق معهم لفصل محافظتي حضرموت والمهرة عن اليمن .. فهل ممكن للعقل البشري أو حتى العقل الحيواني الأبله أن تنطوي عليه مثل هذا الهرطقات (...)؟؟. وحتى لو افترضنا صدقها الساذجين والأغبياء، فمن يا ترى قد أكون ؟؟ وما هي سلطاتي الرسمية والسياسية لأقوم بهذا المخططات الإجرامية ضد سيادة أرضي ووطني !!؟؟.. يستطرد بجاش : فما استعرضته من حقائق وشرحته لك أيها الزميل والصديق الدكتور/ حسين القابع بجواري في زنزانة السجن المركزي بصنعاء بتهم سياسية مثلي، ما هو إلا غيض من فيض ولك أن تتخيل شخصا يقدر أن يصبر ويتحمل البقاء في زنزانة مساحتها 1,5×2,5 مترا لمدة أربع سنوات وشهرين تحت المراقبة لا يسمح لي الخروج إلا إلى الحمام فقط وخلال دقائق معدودة!!؟. ولا أستطيع التحدث مع السجناء وأي سجين يغامر بالاقتراب مني وحاول التحدث معي .. فقد عَرض نفسه لعقوبة الضرب والصلب في ساحة السجن. أربع سنوات وشهرين وأنا أتناول ثلاث وجبات عبارة عن (كدمتين) صلبة مع كمية من الماء وفي حالات نادرة مع رشفات من الشاي الملوث والخالي من السكر.. لم أذق طعم الفواكه أو الحلويات أو أعرف ماذا يحدث خارج زنزانتي الكئيبة، ولك أن تتصور مأساتي الحزينة يا أخي بأني عندما اعتقلت في المهرة بهذه التهمة كانت زوجتي حامل بشهرها الثامن بابني (وعد) ولم أراه أبدا إلا بعد أن صار عمره عشر سنوات، وما هو أكثر مرارة وقسوة هو أن إدارة السجن لم تسمح لي بالجلوس مع أبنائي واحتضانهم سوى مرتين فقط ولمدة ربع ساعة طوال عدة سنوات.. ومنذ فترة سمحت إدارة السجن لأبنائي وزوجتي وأصدقائي بزيارتي يوميا، كما هو الحال بالنسبة لبقية السجناء.. لقد واجهتُ ظروف قاسية ومعاناة لا حدود لها من القهر والضيم والنسيان وعانيتُ من الظلم والإهمال والنبذ المتعمد ونكران الأصدقاء، وتعرضتُ لويلات تعجز لساني عن وصفها وحواسي باستذكارها، فصلتُ من وظيفتي وحرمتُ من حقوقي المكتسبة، طُردت أسرتي من منزلي في مدينة الشعب وعادوا إلى قريتي بالصبيحة لا يجدون من يواسيهم أو يشفق عليهم، بسط المنتصرون على مساحات من البقع الأرضية السكنية المصرفة باسمي بطرق شرعية وقانونية، كما تعرضت سيارتي الخاصة ومعدات وأثاث منزلية أخرى للنهب والتشليح، ومع ذلك استطعتُ بحمد الله وفضله أن أصبر وأكابد الأهوال والمواجع التي يصعب على الكثيرين تحملها والتجلد أمام عواقبها القاسية على العقل والقلب ومشاعر الروح الإنسانية.. وما أرجوه منك وأنت تدون هذه الحقائق (إذا أطلق سراحك بمشيئة الله تعالى) هو أن تشرح لأبناء وطني وكل الشرفاء في أرض جنوبنا الحبيب وقراء الصحف الأهلية والحزبية والمواقع الالكترونية، تفاصيل مأساتي كما شرحتها لك وعايشتها بنفسك، وأملي أن تجعلوا منها قضية رأي عام باعتباري أول سجين سياسي من أبناء الجنوب، حكمت علي المحكمة الابتدائية بعقوبة الإعدام ثم عُدلّت من قبل محكمة الاستئناف إلى عقوبة السجن عشرين عاما.. وعليك أن تسجل في ما ستكتبه عني بكلمات عتابيه ممهورة باللوم إلى أصدقائي وزملائي الذين تخلوا عني وتركوني فريسة للظلم والأحزان والتشرد والضياع لأفراد أسرتي التي يعلم الله وحده كيف لي ولأسرتي نصارع الفقر والعوز ومصائب ورزايا لا يتحملها إلا من منحه الله عزيمة النضال وقناعة التضحية لوطنه وشعبه، وألهمه معنوية الصمود في مواجهة عدوانية الأحقاد السياسية من سلطات النظام المستبد ومن مزاعم الوشاة المجردين من أخلاقيات الضمير الوطني والإنساني ". وختاما: يخاطبني بجاش علي محمد الصبيحي، بنبرات هادئة مفعمة بالوقار ورزانة العقل لكنها لا تخفي من معانيها كبت الزفرات الحزينة فيقول:- إن ما شرحته لك يعد أمانة في عنقك أتمنى أن ترويه بصدق وبدون تهويل وتزلف فحياتي يا أخي وهبتها فداءا لوطني ومن أجل الجنوب الغالي أهديها قربان لتربته الطاهرة.. وبهذه الكلمات النقية لذلك الرجل الصلب والصامد بصبره ومعنوياته العالية وأخلاقه الحميدة.. فإني أستميحه عذرا إن تناسيتُ أو تجاوزتُ كثير من الوقائع الثانوية، في نفس الوقت أحيي شجاعته وقوة عزيمته النضالية والتي إستمدينا منها أنا وزملائي (أحمد با معلم والعميد عيدروس حقيس ومحمد جعبل وصديق بلعيد وفؤاد راشد وصلاح السقلدي وأحمد الربيزي والبطل أحمد العبادي المرقشي وكثيرون غيرنا من نزلاء السجن المركزي بصنعاء) معنويات الصمود وتحمل ظروف القهر والتعذيب النفسي.. والذي ما زال مناضلنا (بجاش) يتجرع كأس مرارة علقمها بكل شموخ وكبرياء دون أن يجد من يمد يده البيضاء إليه ليمسح عنه غبار المحن ويخفف عن كاهله مشقات الظروف الأسرية والذاتية التي أثقلت ظهره ؟؟؟. فسلام عليك يا رمز الجنوب ويا أول من سبق لرسم لوحة النضال في سبيل الحرية والخلاص من نظام الهيمنة والاستبداد .. ومن أجل استعادة الأرض المسلوبة ودولة العدل والمساواة المنهوبة .. نعاهدك على مواصلة النضال ولن نتهاون في مناصرتك والمطالبة في إطلاق سراحك، وسنضل كما قال شاعر اليمن الكبير د. عبد العزيز المقالح نحفر في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار.. ويقيننا أيها الرجل العظيم بأن ميعاد الحرية وفك الارتباط لناظريها بقريب.. والله من وراء القصد. ملاحظة: مجموع السنوات التي أمضاها بجاش الصبيحي في سجون نظام صنعاء أكثر من 16 عام . *هذه الحلقات نشر منها أربع حلقات في صحيفة «النداء» الأسبوعية.. وكامل الحلقات تنفرد بنشرها «ANA» كما دونها الدكتوروالأكاديمي حسين مثنى العاقل. * الصورة الأولى لـ «بجاش الأغبري» في سجن الأمن المركزي بـ صنعاء ، .
| |
|