بعد انشطار جنوب السودان وابتعاده عن الدولة الأم، ليصبح دولة دينية يدين أهلها بغير ما يدين به باقي السودانيين، فإن السؤال الذي من المفترض أن يتردد من أقصى الوطن العربي إلى أقصاه هو: أيُّ جنوب سيكون دوره في المرة المقبلة... أهو الجنوب العراقي أم الجنوب اليمني أم الجنوب اللبناني... أم الجنوب المصري، هذا مع العلم أن الجنوب الفلسطيني الذي هو قطاع غزة كان قد انشق وانقسم وأقام دولته الدينية على مذهب 'الوليِّ الفقيه'، عندما قامت 'حماس' بانقلابها المشؤوم في عام 2006؟
كان جون غرينغ قد بدأ الخطوة الأولى في انشقاق جنوب السودان، الذاهب الآن إلى استفتاء قريب لإعلان أنه دولة مستقلة، نتيجة خلاف بعض الزعماء العرب مع 'المرحوم' جعفر النميري، وبالطبع فإن أطماعاً خارجية كثيرة قد بادرت إلى تبني هذا المشروع، وبقيت تنفخ فيه إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، وإلى أن أصبح قيام دولة (جنوبية) بعض أهلها يدين بالمسيحية وبعضهم بلا دين، في انتظار الإعلان الرسمي الذي سيتلو عملية الاستفتاء المقرر الذي يبدو أن نتائجه معروفة ومحسومة حتى قبل فترة طويلة من إجرائه.
ولذا فإن ما يجب قوله، حتى لا تتكرر المأساة في جنوب عربي آخر، هو أن الأنظمة التي تعاقبت على السودان خلال العقود الثلاثة الماضية هي التي تتحمل القسط الأكبر من مسؤولية هذا الذي جرى، فهي بقيت تُغلَِّبُ الإصرار على بقائها في السلطة على المشاكل الوطنية الكبرى، وهي بقيت تتصرف مع هذه المشكلة التي غدت مستعصية انطلاقاً من منطق القوة العمياء، لا انطلاقاً من منطق العقل والحرص والدبلوماسية الهادئة.
الآن هناك جنوب آخر ملتهب هو الجنوب اليمني، إذ الحقيقة تقضي بالإشارة إلى أن حكاية 'القاعدة' هناك ليست هي الحكاية الرئيسية مع أنها موجودة، فالصحيح الذي يجب أن يقال هو أن الغيوم 'التشطيرية' باتت تحوم فوق اليمن، وهو أن الأمور غدت ذاهبة، إن لم يتم تداركها برحابة وحكمة، إلى العودة إلى ما كان قائماً قبل عام 1990، ولكن هذه المرة بهوية مذهبية على أساس أن الشمال 'زيْديٌّ ' وأن الجنوب شافعي.
وهناك الجنوب العراقي الذي يعرف أهل العراق أن لغته غدت فارسية، وأن عملته 'التومان'، وأن الحرس الثوري الإيراني هو القوة الرئيسية فيه، وأن عمامة 'الوليِّ الفقيه' هي التي تظلله، وهذا هو ما يجري في الجنوب اللبناني، وفي ضاحية بيروت الجنوبية التي هي الآن دولة مذهبية مُسلّحة داخل الدولة اللبنانية.
نقلا عن (الجريدة) الكويتية