قلت للحجة فطوم إن عظمة أي شعب أو بشر هو ما يتركوه ورائهم من تراث وتاريخ ، بلادنا عدن غنية بالتراث الشعبي من موسيقى وألعاب وأزياء ، وأتذكر قول الأديب الأمريكي العظيم أرنست هيمنجواي الذي تأثرت به كثيرآ في طريقة حياته وأدبه ، يقول : إن من الأشياء لا يمكن أن نتعلمها بسرعة ، ويجب أن ندفع ذلك من الزمن ، وكل جديد يتعلمه الإنسان غالي الثمن لأنه من الزمن ، والزمن هو كل ما نمتلك – وهو التراث الذي يخلفه الإنسان وراءه." تبسمت الحجة فطوم ابتسامة رائعة وقالت يا سلام على التراث الذي خلفه الإنسان العدني ، هذا الإنسان ترك تراث تاريخي ، يا سلام على عدن عاصمة الجنوب العربي التي تقف عند غروب الشمس تنظر بعشق إلى ساحل أبين والشمس تغوص في بحرنا منظر قمة في الجمال والسحر المثير، يا ساحل أبين .. يا ساحل العشق والفن والجمال .. يا ساحل البطولة والنضال، يا سلام على أبين التي تعاني من المحن وتتحدى الغزاة وغدر الزمن. يا صالح .. كيف تقتل الإبتسامة والفرح في أرضنا عدن . يا صالح .. كيف تقصف بالدبابات والمدافع حقول الفل والكادي والحنون.
قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك غُريبات عدني وقرمش لحجي وشاهي ، وبعدين حازيني عن الجيم ، قلت لها يا حجة فطوم كلمة الجيم جاءت من اللغة الإنجليزية وهي كلمة Game وتعني اللعبة وهي نوع من البليارد الغير متطور، فهي طاولة طويلة ولها قطيفة خضراء ، وفيها عدة حُفر وكل حُفره لها رقم ، وكرات ملونة أكبر قليل من كرات البليارد ولا تستعمل عصا البليارد بل دفع الكرة باليد ، وكان الجيم بجانب المقاهي، وأذكر أشهر جيم هو جيم عبده صالح في حافة العجايز ، وعبده صالح من سكان حافتنا وابنه فيصل عبده صالح صديقي في الطفولة والمدرسة ، وكان هناك جيم آخر في حافة جوهر، صاحب الجيم الموافي وجيم آخر في حافة حسين، نفس الطريقة الآن في عالم مقاهي لعبة البليارد اليوم . قالت الحجة فطوم يا سلام على عدن لعبت بلادنا الجيم والبليارد .. أول بلد عربي في الجزيرة العربية يلعب هذه اللعبة الجميلة، وفيها لاعبين مشهورين من أبناء عدن.
يا حجة فطوم سوف احازيك محزايه ظريفة عن أثنان من أبناء عدن ومن حارتي حارة القاضي ، الخدشي وعبدالله بربراوي العدني الصومالي العريق ، كانوا في الخمسينيات يذهبوا إلى دبي للعمل ولهم طريقة غريبة في الحياة ، فهم يعملوا حتى يجمعوا مبلغ كبير من المال ثم يعودوا إلى عدن وهناك يقوموا بصرف المال ببذخ ويعزموا كل عيال حافة القاضي إلى عزومات عباسية حتى تنتهي فلوسهم ثم يعودا مره أخرى إلى دبي للعمل ويكرروا نفس العملية سنين وسنين ، وكنت أرى في طفولتي عبدالله البربراوي الرجل النادر الإنسان يشتري الحلوى لأطفال حارة القاضي . في عام 1969 غادرت كوبنهاجن إلى دبي للعمل ، كان عبدالله البربراوي أول عدني فتح مخبازه في دبي وأيضا عمل جيم في دبي . ذهبت إلى المخبازه ووقفت أمامه شعر بالذهول وبكى وقال لي يا محمد ذكرتني ببلادي عدن وحافة القاضي، فرح بي كثيرآ وكنت أتردد عليه من حين إلى آخر . في عام 2000 عدت إلى دبي وسمعت إن العم عبدالله البربراوي ذهب إلى العمل كسائق في العراق وقت الحرب وقتل هناك .. يرحمك الرحمن الرحيم العدني الصومالي العم عبدالله البربراوي صاحب أول جيم ومخبازه في دبي .
أخيرآ تقول الحجة فطوم .. يا محمد سمعت في الأخبار صالح يقيم حفلة دولية لأيتام العالم . يا صالح غارات جوية على قرى الأبرياء تقتل النساء وتيتم الأطفال وتقيم في صنعاء مؤتمر لرعاية الأطفال الأيتام وتقول أنك يتيم، وتصنع في بلادنا الآلاف الأيتام.
يا صالح إن اليتيم ممكن أن يكون نبي أو مجرم .. أين أنت منهم ؟ لقد مات الإنسان في ذاتك.