تشكل الذكرى العشرين للوحدة اليمنية محطة مهمة، تفصل ما قبلها عما بعدها، ولعل احتفالات الحكم الخالية من أي نكهة، وردود الفعل من طرف الحراك الجنوبي، تعكس الجو الفعلي لما آل إليه هذا المشروع الذي كان واعدا، قبل ان يتحول بسرعة قياسية نزاعاً أهلياً مركباً، ينذر بالكثير من التداعيات السلبية على مستقبل العلاقة بين الجنوبيين والشماليين، ويهدد بالدخول في طور مزمن من الجفاء والعداوة.
إن الوقوف عند محطة الذكرى العشرين يستدعي أمرين أساسيين: الأول هو المحاولات المستميتة من طرف الحكم لاعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بعد أن تطور الوضع في الجنوب خلال السنوات الثلاث الأخيرة نحو مشروع سياسي متكامل للعودة، إلى ما كان عليه الوضع قبل عام 1990، حينما تم توقيع اتفاقية الوحدة السياسية بين دولتي اليمن الديموقراطية في الجنوب، والجمهورية العربية في الشمال. والأمر الثاني هو الزخم الكبير الذي ظهرت عليه قوة الحراك الجنوبي، الذي احتفل من طرفه بالذكرى السادسة عشرة لما يعرف بـ"فك الارتباط" بين طرفي الوحدة، الذي اعلنه الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض في 21 أيار 1994 في غمرة الحرب التي شنها الشمال ضد الجنوب.
واللافت هنا هو التصميم الذي يتمتع به الحراك الجنوبي كحركة شعبية، يتسع مداها كل يوم، وتزداد جماهيرتها في صفوف كل الفئات الجنوبية في الداخل والخارج، مدفوعة بنزعة وطنية جنوبية، وحس قوي بوعي أهمية الكيانية والهوية الجنوبية. ولا يمكن المراقب إلا أن يلاحظ باهتمام هذا الزخم الشعبي، الذي لم يكل منذ سنة عن الحضور في الشارع، وخصوصا في مدينتي الضالع ولحج، ولكن الجدير بعين الملاحظة أكثر هو ظهور السلاح في الآونة الأخيرة كعامل جديد، سوف يغير كثيرا في المعادلة عاجلا أم آجلا.كان احتفال أهل الحكم بالذكرى العشرين مرتبكا وسياسيا، وجرى في ظل حشد عسكري استثنائي في الجنوب، ولكن الأمر الجدير بالأهمية هو ان الاحتفال الرئيسي جرى في مدينة تعز الشمالية، بعد أن كانت كل التحضيرات تتم خلال الاشهر الأخيرة ليتم في الجنوب. وكان الحكم يحضر لمهرجانات ضخمة في عدة مناطق جنوبية عدة، ليرفع خلالها علم الوحدة، الذي جرى تفصيل نسخ عدة منه بأحجام كبيرة جدا، لتدخل موسوعة "غينيس" العالمية.
كانت استعدادات الحكم لإجراء الاحتفالات في الجنوب تشير إلى انه سيوجه رسالة في اتجاهين:الأول داخلي، وفحواه انه يسيطر على الموقف، بعدما تنامت قوة الحراك الجنوبي خلال سنة، وصار واضحا امساكه بورقة الشارع الجنوبي من المهرة حتى عدن. لقد أراد الحكم أن يستعيد هذه الورقة أو يحرقها على الأقل، لكي يمنع الحراك الجنوبي من الذهاب بمشروعه نحو آفاق ميدانية اكبر، وهو ما عبر عنه خطاب البيض، الذي وضع سقفا جديدا للسنة المقبلة هو العصيان المدني الشامل.
أما الاتجاه الثاني فهو توجيه رسالة للخارج بأن الوضع في الجنوب مستتب، وان الحكم لا يزال حاضرا بقوة ويمسك بكل الأوراق في يده، وهو بذلك أراد أن يعطي صورة عن الحراك الجنوبي، تظهره بأنه عبارة عن هبّة أو زوبعة عابرة لن تلبث أن تخمد ريحها، وينتهي مفعولها بمجرد أن يحشد الحكم عدته الوحدوية وينزل إلى الميدان.
لم تحصل الاحتفالات في الجنوب، الأمر الذي ترتب عليه وصول الرسائل على نحو معكوس تماما.فنقل الاحتفالات الى تعز له سببه الواضح. وهو عدم القدرة على تنظيم احتفالات في الجنوب، وهذا أمر جدير بالأهمية، لأنه يكشف إلى أي مدى بلغ الوضع الجنوبي من التطور خلال السنة الفائتة نحو فرض حقائق جديدة في الشارع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان الحكم عاجزا عن تنظيم احتفالات في الجنوب، وهو الذي يحشد هناك قرابة مئة الف عسكري ورجل أمن؟
إن الاجابة عن هذا السؤال تكمن في ملاحظة أمر في منتهى الأهمية، وهو ما حصل من تداعيات سريعة خلال الاسبوع الذي سبق حلول الذكرى العشرين.في هذا الاسبوع بدا الحكم عازما على اجراء سلسلة من المهرجانات الاحتفالية في عديد من المناطق الجنوبية، وبالفعل نزل الرئيس علي عبد الله صالح، ومعه مجموعة من المسؤولين الكبار إلى عدن ومناطق أخرى.كان واضحا من خلال التحضيرات ان احتفالين كبيرين سوف يقامان، الأول في محافظة شبوة التي ينحدر منها رئيس الوزراء علي محمد مجور وعدد من المسؤولين مثل أحمد مساعد، والغرض من ذلك هو الحيلولة دون تحول هذه المدينة الى الحراك في صورة كلية، مثلما حصل في الضالع ولحج وإلى حد ما في أبين.
أرسل الحكم وفدا من مسؤوليه للاحتفال هناك برئاسة نائب رئيس الوزراء صادق امين ابو راس الذي تعرض لمحاولة اغتيال، في نهاية الحفل الذي جرى على نحو سريع، بعد أن تبين ان هناك محاولة لمنعه بالقوة المسلحة، وهذا تطور مهم ولافت سوف يتكرر بعد أيام في مدينة لحج ثاني المناطق الحراكية المشتعلة، والتي خرجت عن السيطرة الحكومية في الأشهر الستة الأخيرة.
الحفل الثاني كان مقرراً ان يجري في عدن لكن حادث شبوة باطلاق النار على الوفد الرسمي، الذي نجا بأعجوبة دفع الحكم لمراجعة حساباته، لاسيما وان موكبا رسميا تعرض لاطلاق نار أيضا في منطقة الحبيلين (لحج)، وسرت شائعات أن الموكب يعود إلى الرئيس صالح، ولكن تبين انه لنائب وهذا أمر جدير بالأهمية، لأنه يكشف إلى أي مدى بلغ الوضع الجنوبي من التطور خلال السنة الفائتة نحو فرض حقائق جديدة في الشارع.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل كان الحكم عاجزا عن تنظيم احتفالات في الجنوب، وهو الذي يحشد هناك قرابة مئة الف عسكري ورجل أمن؟
إن الاجابة عن هذا السؤال تكمن في ملاحظة أمر في منتهى الأهمية، وهو ما حصل من تداعيات سريعة خلال الاسبوع الذي سبق حلول الذكرى العشرين.في هذا الاسبوع بدا الحكم عازما على اجراء سلسلة من المهرجانات الاحتفالية في عديد من المناطق الجنوبية، وبالفعل نزل الرئيس علي عبد الله صالح، ومعه مجموعة من المسؤولين الكبار إلى عدن ومناطق أخرى.كان واضحا من خلال التحضيرات ان احتفالين كبيرين سوف يقامان، الأول في محافظة شبوة التي ينحدر منها رئيس الوزراء علي محمد مجور وعدد من المسؤولين مثل أحمد مساعد، والغرض من ذلك هو الحيلولة دون تحول هذه المدينة الى الحراك في صورة كلية، مثلما حصل في الضالع ولحج وإلى حد ما في أبين.
أرسل الحكم وفدا من مسؤوليه للاحتفال هناك برئاسة نائب رئيس الوزراء صادق امين ابو راس الذي تعرض لمحاولة اغتيال، في نهاية الحفل الذي جرى على نحو سريع، بعد أن تبين ان هناك محاولة لمنعه بالقوة المسلحة، وهذا تطور مهم ولافت سوف يتكرر بعد أيام في مدينة لحج ثاني المناطق الحراكية المشتعلة، والتي خرجت عن السيطرة الحكومية في الأشهر الستة الأخيرة.
الحفل الثاني كان مقرراً ان يجري في عدن لكن حادث شبوة باطلاق النار على الوفد الرسمي، الذي نجا بأعجوبة دفع الحكم لمراجعة حساباته، لاسيما وان موكبا رسميا تعرض لاطلاق نار أيضا في منطقة الحبيلين (لحج)، وسرت شائعات أن الموكب يعود إلى الرئيس صالح، ولكن تبين انه لنائب رئيس الوزراء لشؤون الامن والدفاع رشاد العليمي.
هناك سبب إضافي جعل الحكم يتراجع عن اجراء الاحتفالات في الجنوب وهو سياسي.وتكمن العلة هنا في أن الحكم لم يستطع ان يؤمن شارعا جنوبيا او زعامات جنوبية، من أجل خلق واقع سياسي على ارضية مشروعه، يقف في وجه قوة الحراك الجنوبي. لقد كان في وسعه أن يستعرض مالديه من جنوبيين يشاركون في الحكم، ليقول ان الجنوب ليس حراكا فقط، ولكن ما يتوافر لديه من جنوبيين بدا أنهم خارج الصلاحية الجنوبية، وليس لأحد منهم تأثيره في الشارع الجنوبي، وقد تبين عدم قدرة هؤلاء على تسيير ولو تظاهرة صغيرة تطالب، بعكس ما ينادي به الحراك الجنوبي.
تجلى العجز السياسي على نحو أكبر في الخطاب الذي ألقاه الرئيس صالح لمناسبة الذكرى العشرين من تعز. وتمثل المظهر الأساسي للعجز في أن الخطاب تعالى على الواقع، وأغمض العين عن رؤيته على حقيقته الفعلية. صحيح ان الرئيس دعا للحوار كل الاطراف في الداخل والخارج، وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع شريكي الوحدة، الحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح. ولكن هل هذا هو المطلوب، حقا، لمعالجة الوضع في الجنوب؟
ينطبق على مبادرة الرئيس صالح توصيف، من يسترد باليمنى ما أعطاه باليد اليسرى. فهو من جهة يدعو للحوار مع الاطراف كافة في الداخل والخارج، ومن جهة ثانية يحدد هدف الحوار بتشكيل حكومة وحدة وطنية للتحضير لانتخابات تشريعية في السنة المقبلة.
من الواضح ان هذه المبادرة لم تلق صدى لا في الداخل ولا في الخارج، بل ذهبت، سريعا، مع الريح، ولم تجد من يبدي عليها، ولو، القليل من الأسف.والسبب في ذلك هو ان هناك ادراكا عاما ان علاج الوضع الجنوبي صار يتطلب خطوة تذهب بعيدا، عن المعهود في التعاطي مع التداعيات السلبية للوحدة، فالأمر اليوم لا يتعلق بإصلاح مسار الوحدة، فقد صار هذا المطلب من الماضي، والمطروح اليوم في الميزان هو الوحدة نفسها، بعد ما أصبح شعار الحراك الذي يتردد في كل الجنوب هو تمكين الجنوبيين من حق تقرير مصيرهم، خارج الصيغة القائمة اليوم، التي يتشبث بها الحكم ويرفضها الجنوبيون.
أراد الرئيس صالح أن يقنع الناس بأنه يقر بأخطاء ترتبت على تجربة العشرين سنة الماضية، وأن تجاوز هذه الأخطاء هو بالعودة إلى منطق الشركة، الذي حكم اتفاقية الوحدة بين الجنوب والشمال.
إن اعتراف الرئيس بمفهوم الشركة تطور كبير من طرفه، ولكنه جاء متأخرا عشرين سنة، بلغ خلالها السيل الزبى.لقد كان الرئيس وحليفه الراحل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يريان في الوحدة "عودة الفرع إلى الأصل"، وكان من ينادي بالشركة الفعلية شريكهم الجنوبي على الطرف الآخر علي سالم البيض، الذي دفع ثمن هذا الموقف غاليا بسبب إيمانه بمشروع وحدوي على أساس من التكافؤ بين الجنوب والشمال.