كان الله تعالى ولم يكن قبله شيء ، ثم خلق القلم فقال : اكتب ، فكتب القلم بأمر الله ما يكون إلى يوم القيامة.
ومما كتب الله وقدَّره : أن يخلق بشراً من طين ، فكان آدم وزوجه ، فاسكنهما جنَّته ، وامتحنهما بالشجرة فحرَّمها عليهما ، دون سائر نعم الجنة .
ولما ابتُلي آدم وزوجه فأكلا من الشجرة : أمر الله فأُهبطا إلى الأرض، لتكون لهما ، ولمن يأتي من نسلهما مستقراً ، ومتاعاً إلى حين .
فتكاثر الخلق على هذه الأرض من ذرية آدم ، وأصبحوا شعوباً وقبائل ، فمازال الله تعالى يكلؤهم بوحيه المبارك ، ويرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين .
فكان الصراع بين الحق والباطل ، فمر على الحياة الإنسانية أجيال من البشر، منهم المؤمن ومنهم الكافر ، وجمع هائل من الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
حتى إذا أذن الله بفناء الدنيا ، وانقطاع الوحي : بعث محمداً صلى الله عليه وسلم خاتماً للأنبياء والمرسلين ، وعلامة شاهدة على قرب الساعة .
فعمَّ الخير ببعثته ، وازدهرت الدنيا ، وكثر أتباعه ، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً ، وانتشر سلطان المسلمين وبلغ الآفاق كلَّها .
حتى إذا كمل البناء وتمَّ ونضج : بدأ النقص ، ودبَّ في الأمة المسلمة داء الأمم قبلها من : البغضاء والشحناء والحسد ، وحُبِّ الدنيا وكراهية الموت.
وبدأت الفُرقة في المسلمين ، فأصبحوا شيعاً وأحزاباً , ودولاً متباغضة متناحرة ، فتسلَّط عليهم أعداؤهم ، وتداعوا عليهم من كل صوب .
فذاقت الأمة ويلات الظلم والطغيان من أعدائها ومن فسقة أبنائها ، حتى إذا أراد الله التخفيف عن الأمة : ألهمها رشدها بالعودة إلى دينها ، فكان الدعاة والمصلحون ، يرشدون الأمة ، ويعظونها .
فما تزال أمة الإسلام - في آخر الزمان - في تقدُّم وتقهقر ، ومدٍّ وجزر ، يبتليها الله بالفتن السود التي تجعل الحليم حيران ، حتى يتمنى الرجل الموت من شدة الفتن : ظلم ، وجوع ، وفساد ، وطغيان ، ومع ذلك تكثر الزلازل ، ويقلُّ المطر، وينقص الماء ، ويذهب الخير .
حتى إذا بلغت الفتنة منتهاها : تتوَّجت بخروج الأعور الدَّجال ، فلا تكونُ فتنةٌ أعظم منه ولا أشد على الناس ، لاسيما على المؤمنين ، الذين يعرفون حقيقته.
حتى إذا أهلك الدَّجالُ الناسَ بأذاه وطغيانه : نصر الله المؤمنين الصابرين بعيسى ابن مريم والمهدي عليهما السلام ، فَيَهْلِكُ الدجال .
فإذا ارتاح المؤمنون من أذى الدجال : خرج يأجوج ومأجوج ، خلقٌ بغيض خبيث عنيف ، لايقدر عليهم إلا الله ، فيعيثون في الأرض فساداً .
فيهرب المؤمنون في الجبال والكهوف ، ويفقدون الطعام ، حتى يكون طعامُهُم التسبيح والذكر .
ثم يُهلِك الله بقدرته يأجوج ومأجوج ، ويُطهِّر الأرض من فتنتهم وفسادهم، ثم يعود الخير والصلاح والبركة على المؤمنين زمناً يسيراً .
ثم يدِبُّ الشر في حياة الناس ، ويعمُّ الضلال من جديد ، ويظهر الشرك والفساد ، وعندها يأذن الله بريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين .
حتى إذا لم يبق في الأرض مؤمن يقول : « الله الله » : أذن الله لصاحب القرن أن ينفخ ليصعق من في السموات والأرض ، إلا من شاء الله.
ثم يترك الله الخلق في موات ما شاء أن يتركهم ، ثم يأمر الملك فينفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون .
فإذا بهم على أرض منبسطة لا جبل فيها ولاعلم ، يُساقون إلى محشرهم ، الإنس والجن والوحوش والطيور ، كما خلقهم الله أوَّل مرة .
حتى إذا ازدحم الخلق ، وحُشر الناس، والتفَّت الساق بالساق : دنت الشمس من رؤوس الناس ، على قدر ميل ، فيأخذهم العرق، حتى يغوص في الأرض أربعين ذراعاً.
فيقوم الناس لرب العالمين في ذلك المقام العظيم العسير أربعين عاماً ، قد أضناهم الجوع والعطش ، إلا أولياء الله المتقين ، فهم في ظل عرش الرحمن، عَلَى منابر مِنْ نور.
حَتَّى إذا بلغ الكرب منتهاه : استشفع أهل الموقف بالأنبياء فيعتذرون، حَتَّى إذا استشفعوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قال : « أنا لها »، فيسجد تحت العرش ، ويحمد الله بمحامد لم يكن يعرفها من قبل .
ثم يقبل الله شفاعته في الخلق ، ويُعلي من مقامه بين الناس ، فيأذن بفصل القضاء : فتُنصبُ الموازين ، وتتطاير الصحف، ويُضْرب الصراط على متن جهنم .
فيقضي الله بين الوحش والدواب بعظيم عدله : " لا ظُلْمَ الْيَوْمَ " ، حتى إذا فرغ منها قال لها : « كوني تراباً » ، فتكون تراباً .
ثم يكون القضاء بين الناس ، حتى يُنادي : هذا فلان ابن فلان ، من كانت له مظلمة عنده فليأت ، فيأتي المظلوم ليأخذ من حسناته ، وربما طرح عليه من سيئاته .
فيتعلَّقُ الناسُ بعضهم ببعض ، ويكثر الجدال والخصام ، ويتبرأ المتبوع من التابع ، كلٌ يقول : نفسي نفسي .
حتى إذا أُخذ الكفار إلى الجحيم : نُصب الصراط على متن جهنم ، قد أوتي بها لها سبعون ألف زمام ، مع كلِّ زمام سبعون ألف ملك يجرُّونها .
فالناس على الصراط على حسب أعمالهم : ناجٍ آمن ، ومخدوش ناجٍ، ومكردس في نار جهنم.
ثم يُطهِّر الله المؤمنين مما في صدورهم من غلٍ ، حتى يأذن لهم في جواره الكَرِيم ، في جنات النعيم ، ثـُمَّ يدخلونها ، يعرف أحدهم بيته من الجنة كما يعرفه في الدنيا .
فما يزال المؤمنون في إلحاحٍ عَلَى ربهم حتى يخرج من النار إخوانهم من أهل الإيمان فيخرجون ، حتى يكون آخرهم من جهينة ، له مثل الدنيا وعشر أمثالها .
حتى إذا اكتمل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، أُتي بالموت على صورة كبش ، فذبح بين الجنة والنار والكل ينظر ، وقيل : يا أهل النار خلود فلا موت، ويا أهل الجنة خلود فلا موت، وعندها يزداد أهل الجنة فرحاً وسروراً ، ويزداد أهل النار حزناً وبؤساً.
أيها المسلمون : هذه قصة الإنسان من بدايتها إلى نهايتها : " فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ".