[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شبكه باعوضه-عبده النقيب
لن أغالي إذا قلت ان حراك الجنوب السلمي ثورة نادرة لا نستطيع مقارنتها بما حدث في أي مكان أخر في التاريخ الحديث على الأقل, فأول وابرز ما يلفت الانتباه في هذا الحراك الظافر انه جاء في زمن يكاد ينطبق عليه صفة المريض فالعالم كله دون استثناء يسير نحو النكوص والانهيار..تتراجع أنظمة هنا عن حقوق وقوانين تحمي العدالة وحقوق الإنسان الأساسية وتخسر شعوب هناك مكتسبات حققتها بالعرق والدم بنضال شاق حد ان وصل التدهور مستوى لم يعرفه العالم منذو أزمة ما قبل الحرب العالمية الثانية, بينما شعب الجنوب فجر ثورة شعبية شاملة عادت بنا أكثر من نصف قرن إلى زمن النهوض التحرري وكفاح الشعوب المناوئ للاستعمار.
وتأتي حقيقة هذا التميّز ان الحراك السلمي الجنوبي مقطوع الصلة بالعالم كونه لم يتلق أي دعم ولم تقف من خلفه أي جهة أو دولة كما هو مألوف لدى معظم الثورات في العالم حيث يتراكم الغضب الشعبي الداخلي ويصبح نشط بدفع من عوامل خارجية معينة فأما دولة تدعمه سرا أو تتبنيه علنا, وقد مثّل تحرر الكثير من البلدان في منتصف القرن الماضي بدعم النظام الاشتراكي نموذجا لتلك الحقيقة بينما واقعنا اليوم يؤكد تفرد الثورة السلمية الحضارية الجنوبية بخاصية نضوج العامل الداخلي وقوة تحفزه دون إثارة من الخارج وهذا هو سر قوة الثورة في هذا الزمن الاستثنائي.
تتداخل الأشياء وتتقاطع الخطوط في كل مايتربط بالحراك السلمي الجنوبي في بلاد العرب الجنوبية أو كما يحلو للبعض تمسيتها اليوم بجنوب اليمن وتبدو للمشاهد ملامح ملاحم ومعارك مزدوجة بين الحراك الجنوبي من جهة ونظام الاحتلال اليمني من جهة أخرى وأيضا بين مكونات الحراك وأشخاصه في الداخل والخارج.
الصراع الذي من النوع الأول هو مرتبط باختلاف وتضارب هوية وانتماء شعبين وثقافتين يصعب الجمع بينهما في ظل شيوع الثقافة العشائرية وغياب الدولة الوطنية الليبرالية. بينما يبرز الصراع من النوع الثاني كمؤشر يحمل في أحشائه أجزاء صورة المواجهة بين حضور الوعي السياسي الليبرالي الراهن وترسبات التخلف الاجتماعي والاقتصادي الماضوي.
في ظل تمازج الألوان وتماهي الملامح تختلط الأوراق علي الكثير من المراقبين بل والمشاركين في الحراك الجنوبي مما يسبب التبرم وربما الإحباط لدى البعض فلا يروا معها زخم الحشد ولا يسمعوا هدير المحرك الرئيس للثورة الذي يدفع بها قدما وبسرعة هائلة إلى الأمام رغما عن كل العوامل الثانوية الأخرى. هذا العامل المتمثل بالتناقض بين النظام السياسي للجمهورية العربية اليمنية الذي يحتل الجنوب ويزداد تدهورا وتآكلا وشعب الجنوب ممثلا بمقاومته السلمية المشحونة بالغضب والرفض الشعبي العارم وتراكم الأفعال المناوئة للاحتلال.
حقيقة ان حركة المياه تتدفق بسرعة هائلة رغم بروز العوائق التي تعكر تدفقها ولكنها لا تحبسها مما يتطلب من نشطاء الحراك السلمي الجنوبي استيعاب هذه الحقيقة بالسير قدما دون الانشغال بالعوائق حتى لا يتخلفوا عن المسيرة ومواكبتها فتسود الفوضى بدلا عن القيادة.
لابد إذا من التقاط المعطيات والمستجدات أولا بأول التي تمكن قادة الحراك من الإمساك بدفة المسيرة والاستعداد للمرحلة النهائية حتى ترسو السفينة بأمان ولا ترتطم بالجدران والحوائط.
لن نفلح بالانشغال بكثرة التأمل بالمعوقات وكيفية اقتلاعها, بل لابد من تحديد الاتجاه الرئيس للحركة والنظر للأمام لكي نتجاوزها ولا نتعثر بها. وهي مهمة ملحة تستجيب للدعوات الحريصة بتشكيل قيادة مشتركة للحراك الجنوبي يوحد اتجاه مسيرة الثورة من خلال المشاركة الواسعة في خلق قيادة متماسكة ترتبط بالقاعدة الحراكية العريضة وليست منفصلة عنها. فالحديث عن وجود نخب تفكر بعيدة عن القاعدة الحراكية هي دعوة لترك الحراك دون قيادة ترشده إلى جادة الصواب. ويصب في هذا الاتجاه أيضا محاولة إيجاد قيادة تحمل مشاريع صغيرة لا تتناسب وتطلعات الحراك الكبيرة فيحدث الانفصام بين القاعدة الحراكية وقيادته. انفصام بين ثوابت القواعد الحراكية التي حسمت أمرها وحددت اتجاه المسيرة وبين قيادة لا تستوعب اتجاه السير و محطة الوصول تقف في مواجهة الحشد الذي سيتجاوزها دون شك.
وحتى نتجنب الإرباكات والعثرات فإن على الحراك ان يشكل قيادته بنفسه دون وصاية ودون تردد, فتشكيلها في غرف مظلمة بعيدة عنه أمر لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعثر والانقسام مع الأخذ بعين الاعتبار ان يظل الحوار الديمقراطي الشفاف هو الأساس في تشكيل قيادة الحراك وتظل الأبواب مفتوحة لمن يريد أن يلتحق مؤخرا فهو بكل تأكيد لن يركب الجميع القاطرة من المحطة الأولى.
لا خوف من وجود التناقضات في فكرة تشكيل قيادة موحدة للثورة فهذا أمر طبيعي بل ان الاختلافات الكامنة داخل أحشاء الحراك حول هذه المسألة ليس أمر بالغ الصعوبة فهو لا يمثل أي معضلة مقارنة بما عرفناه عن ثورات تحررية سابقة تمكنت من تشكيل قيادات موحدة رغم وجود التيارات التي تمثل التنوع العرقي والديني والطبقي الذي يتحرر منه الحراك الجنوبي المتجانس.
هكذا تبرز أهمية التحرك والمبادرة السريعة بعزم وإصرار في تشكيل قيادة موحدة تسير موازية للمسيرة التي تدفع بها الجماهير دون انتظار لأحد. بالطبع سيشغل تلك القيادة بعض المعوقات وستبرز في الطريق تلك المنافذ الجانبية الضيقة والصغيرة التي تتسرب منها بعض المياة هنا وهناك وتهدر بعض الجهود لكنها لن تؤثر في المجرى العام الواسع الذي يسير دون توقف.
*
عضو اللجنة القيادية المؤقتة وسكرتير دائرة الإعلام ل "تاج"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]