شبكه باعوضه -مقالات بقلم المواطن الجنوبي/ محمد عباس ناجي.
إذا أحب الله عبدا أو جماعة أو شعبا ابتلاه بمصيبة ما ليختبر قوة إيمانه.. شعب الجنوب شعبا مؤمنا بقضاء الله وقدره.. ولأن الله يحبه, فقد أبتلاه بمصيبتين أساسيتين في تاريخه المعاصر ,هما:
المصيبة الأولى: وهي الأصعب والأعقد وتتمثل بالقيادات التي تعاقبت على حكمه منذ عام 1967م وحتى اليوم, وسنوضح هنا المراحل التي حكمته فيها هذه القيادات وأعمالها التي أصابت بها شعب الجنوب:
المرحلة الأولى: وهي القيادات التي حكمت شعب الجنوب خلال الفترة من 1967 ـ 1980م , وهذه القيادات دمرت تاريخ وحضارة شعب الجنوب وتخلت عن هويته الوطنية كشعب مستقل على مر التاريخ, ونسبته إلى شعب آخر. ومن منا لا يتذكر التشويه الذي لحق بحضارة وتاريخ شعب الجنوب, ابتداء بإحراق مورثاته من الكتب والمخطوطات وإهمال مواقعه الأثرية العظيمة التي بناها أجدادنا الذين حكموا الدول التي تعاقبت على الجنوب مثل ممالك حضرموت وقتبان وأوسان واليزنيون ....الخ. وكان كل ذلك تحت مبدأ اعتناقها للنهج التقدمي القومي والاممي.
المرحلة الثانية: وهي القيادات التي حكمت شعب الجنوب خلال الفترة من 1980 ـ 1986م, وهذه القيادات دمرت وقتلت وشردت إنسان شعب الجنوب. كل ذلك تحت مبدأ التقدمية والرجعية والحافظ على حكمها.
المرحلة الثالثة: وهي القيادات التي حكمت شعب الجنوب خلال الفترة من 1986 ـ 1990م , وهذه القيادات استكملت ما لم يقدم عليه أسلافها, فباعت أرض الجنوب دون مقابل, حتى تقول أنها دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.
وحتى لا يقول بعض قاصري النظر أننا استهدفنا تشويه اتجاه أو تيار معين ممن حكموا الجنوب, نقول لهم أنها ليس هناك فوارق كبيرة في المصائب التي حلت بشعب الجنوب نتيجة تصرفات حكامه في الفترات المذكورة أنفا. بل هي التي تجعلنا نعترف لهم بأنهم حكموا الجنوب, فهذه القيادات جمعت بينها مصائبها بشعبها, ومن أبرزها: أنها كانت جاهلة بتاريخ وحضارة شعبها العظيم,ولم تستغل خيرات وطنها لتقدم شعبها, أنها صفت بعضها البعض تحت مبدأ الحفاظ على المبادئ والقيم النبيلة, وهي مجرد أكذوبة, حقيقة خلافاتها وصراعاتها كان الجهل والحقد والحسد, لم تستفد من العبر والوقائع التاريخية... الخ.
مع أن هذه القيادات قد انتهى معظمها ولم يبق منها إلا القليل وأنهت معها كل مقومات شعبها, وجعلت شعبها يعيش مرحلة جديدة من البؤس والشقاء منذ عام 1994م , وهي الأخرى شُردت إلى خارج وطنها, ولم تستطع أن تفعل لشعبها شيئا طول 20 عاما, وكان جدير بها أن تستفيد من عبر تاريخها المأساوي لتكفر عنه.
ولأن شعب الجنوب كما ذكرنا عظيما, فقد أستطاع هذا الشعب أن ينهض من جديد, ويثبت للعالم أجمع أنه شعب حي وصاحب قضية. وأختار مبدأين أساسيين لنضاله: الأول, التصالح والتسامح والتآخي للتخلص من أخطأ قياداته السابقة وبدء عهدا جديدا يستعيد فيه مكانته بين الشعوب كشعب كان واحدا من ابرز شعوب العالم التي صنًعت الحضارة العالمية القديمة, وصاحب ثقافة قائمة على التسامح والقبول بالآخر مهما كانت ديانته وثقافته.. والثاني, النضال السلمي الحضاري التحرري, ليستعيد به كرامته وحريته وأرضه وهويته ودولته, وليثبت لعالم اليوم أنه مثل ما بنا أجداده في العصور الغابرة حضارة عظيمة استفاد منها العالم بأسره قادر اليوم أن يقدم للعالم أنموذجا رائعا في النضال الوطني التحرري. وبالفعل أستطاع هذا الشعب العظيم رغم افتقاره لمقومات ومتطلبات النضال المادية والإعلامية والسند الخارجي أن يحقق نجاحات كبيرة أعادت قضيته كشعب يقع تحت الاحتلال إلى واجهة الأحداث العالمية. بالاعتماد على إرادته وقدراته وإمكانياته وعزيمته الفولاذية, مؤمنا بأن إرادة الشعوب من إرادة الله, وإرادة الله لم ولن تهزم أمام أي جبروت بشري سوى فرد أو دولة.
الانجازات التي حققها شعبنا خلال الثلاث السنوات الأولى من نضاله جعلته يحضا بتعاطف شعبي وإعلامي وسياسي دولي رائع وأصبح أنموذج نضاله السلمي يضرب به المثل.. هذه الانجازات تحققت بفضل تضحيات مناضلي ومناضلات شعبنا في داخل الوطن وخارجه على حد سواء من الشهداء والجرحى والمعتقلين في سجون الاحتلال, والمناضلين والمناضلات في ساحات النضال السلمي اليومي, ومن المغتربون في بلدان العالم الذين قدموا الدعم السخي لنضال شعبهم وقاموا بدورهم السياسي والإعلامي على أكمل وجه.
تسارع إنجازات شعبنا رغم الإمكانيات الشحيحة جعل البعض يعتقد أنها لو توفرت بعض مقومات ومتطلبات النضال المادية والسياسية والإعلامية, وأعتقد أن ما تبقى من قيادات شعبنا الموجودة خارج الوطن قد استفادت وتعلمت من تجاربها الماضية غير المشرفة, على الأقل لتكفر عنها, واستفادت من التجربة النضالية المشرفة التي يخوض شعبنا نضاله اليوم انطلاقا منها, وأنها ستكون عونا لنضال شعبنا في توفير هذه المتطلبات والمقومات التي يحتاجها نضال شعب الجنوب, بيد إن جزء كبير من قيادات ومناضلي شعبنا في الداخل كانت على دراية بالمخاطر التي قد تجلبها القيادات السابقة لنضال شعبنا, وكانت ترى في حالة الاستعانة بها أن تحدد قيادة الداخل المهام التي يطلب من قيادات الخارج القيام بها, وأن لا يكون لتلك القيادات سلطان على نضال شعبنا في الداخل, ومع السف سارع البعض من مناضلي شعبنا محدودي النظرة البعيدة وعن براءة والبعض عن خبث بتوجيه الدعوات إلى قيادات الخارج للخروج عن صمتها.
وهنا حلت مصيبة جديدة بنضال شعبنا أتت بها القيادات السابقة في يوم 9 مايو 2009م كيوم اسود عندما تم الإعلان عن تشكيل مجلس قيادة الثورة السلمية وتوحيد فصائل النضال السلمي, واختيار رئيسا شرعيا للجنوب, فقد تبين إن اجتماع هذا اليوم لم يكن مدروسا وإنما ارتجاليا كارثيا. وكل قراراته عبرت عن عقلية حكام الفترات الثلاث السابقة.
أتت هذه الكارثة لتضاف إلى الأخطاء التي ارتكبتها قيادات ثانوية في الخارج وقيادات رئيسية في الداخل ولاسيما إعلان تشكيل فصائل مستقلة في منطقة العسكرية بيافع الباسلة في 30 أكتوبر عام 2008م,فقد أرادت القيادات الثانوية في الخارج تطويع القرار المستقل لقيادة الحراك في الداخل بدعمها لإنشاء فصائل مستقلة موالية لها ولكنها أخطأت.. ومع ذلك كانت قيادات الداخل تستجيب لصوت العقل المقدم إليها من مناضلي ومفكري شعبنا ويسهل عليه التوفيق بين كل تلك القيادات. بيد أنه منذ يوم 9 مايو الأسود بدأت سيطرت قيادة الخارج على قرار قيادة الداخل, وبدأت الأوصاف والمبررات الواهية تطلق لتغطية هذه الغلطة التاريخية, وفي مقدمتها أن من وقع على الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية عام 1990م هو صاحب الحق الشرعي بأن يرفض هذه الوحدة. مع أنها لا توجد أي مبررات قانونية ومنطقية لمثل هذا الادعاء. كما أطلقت الألقاب على قيادات الخارج جزافا مثل لقب القيادة التاريخية, مع أنها لا تمت بصلة لهذا اللقب.
هذا الوضع أدى إلى ظهور نزعات الو لاءات في الداخل لقيادات الخارج, وأظهرت قيادات الخارج عجزها عن العمل بمبدأي النضال اللذان يسير عليهما نضال شعبنا. وفي مقدمتها تطبيق المرحلة الأولى من مبدأ التصالح والتسامح والتآخي بالوصول إلى قمتها عن طريق التصالح والتسامح بين الرئيسين على ناصر محمد وعلي سالم البيض, باعتبارهما أهم رمزان لأخر صراع شهده الجنوب,وبالمناسبة التصالح والتسامح حسب الوثيقة التي رسمت له, والتي أوضحت أن هذا المبدأ سيتم تنفيذه على عدة مراحل, من الصعب الحديث عنها هنا.
وبدلا من تحقيق نهاية المرحلة الأولى من التصالح والتسامح, بدأت قيادات الخارج توجه التهم لبعضها البعض حتى أنه اتهم على سبيل المثال الرئيس المهندس حيدر أبو بكر العطاس أنه يسعى للفيدرالية وليس مع فك الارتباط. وهو في الأصل من أطلق هذا المصطلح ودعاء إليه. يا سبحان الله!!!! وهنا تجلت الصورة أن قيادات الجنوب السابقة وعلى وجه التحديد الموجودة في الخارج لم تغير من سلوكها شيئا. بل أن البعض دخلها الغرور وعظمة الزعامة.
كثير من المراقبون لأوضاع الداخل وأنا وحدا منهم.بل قد أكون اقلهم فاعلية كانوا يقدموا النصح لقيادة الحراك في الداخل, وللأمانة كانت تستجيب للنصح, حاولوا التواصل سرا وعلانية مع قيادات الخارج وقدموا لها النصح الصادق, ولكن دون فائدة, حتى أننا وجهنا رسالة علنية لقيادة وأعضاء التجمع الديمقراطي الجنوبي ( تاج) ودعوناهم فيها إلى تغيير لهجة خطابهم والبحث عن القواسم المشتركة مع غيرهم, وكذا دعينا أخواننا في حزب الرابطة (رأي) باعتبار ذلك خطوة لتطبيق المراحل المتبقية من التصالح والتسامح, لأن نضال شعبنا صعب وشاق ولا يمكن نجاحه دون تصحيح أخطأ الماضي. فوجدنا بعض قيادات الخارج توجه قيادات الداخل لتنفي مثل هذه الدعوات. بل وتعتبرها دعوات فردية تعبر عن وجهة نظر أصحابها.. يا للأسف!!! وهنا بدأنا نشعر أن القادم هو تشتيت القوى الجنوبية خدمة لمكانة الفرد الزعيم.
وبالفعل جاء صحة توقعنا بتمزق أول حزب جنوبي ( تاج) فتوجهنا على الفور لقادة الحراك, ونبهناهم إلى أن تمزق تاج الموجود في الخارج كارثة وليس في صالح الحراك في الداخل, ,وإن هذا التمزق قد يصل للداخل, فكان التوقع في محلة, فبوادر هذا التمزق كانت موجودة, وتحت مسمى ضرورة توحد الحراك الجنوبي وإقرار وثائقه,وهي أكذوبة لا تمت للحقيقة بصلة. لهذا ننبه أن هناك من يسعى لتمزيق وحدة الشعب الجنوبي انطلاقا من تقسيمات صراعات الماضي القذرة. ومع ذلك نقول للجميع أن تطرقنا لمثل هذه الوقائع المرة لا تعني أن ثورة شعبنا السلمية التحررية قد تتوقف عجلتها عن الدوران, وإنما قد تعيق من دورانها السريع والمخطط له, ولكنها حتما سوف تصل إلى هدفها المنشود بفضل عظمة هذا الشعب وقدراته على صنع المعجزات.
وهذا يجعلنا نطلب من مناضلي شعبنا الواعون والمخلصون لوطنهم أن يدركوا أن المهمة النضالية لجيل الجنوب اليوم بحاجة إلى التحلي بروح النفس الطويل, فهي لا تكمن في مواجهة الاحتلال فقط, وإنما يضاف إليها مهمة مواجهة مصائب قيادة الجنوب السابقة, وهي أعقد واخطر من الاحتلال على شعبنا الذي سوف نتحدث عنه كمصيبة ثانية تحل على شعبنا في الحلقة القادمة, التي سوف ننشرها في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم. إن شاء الله.