(حديث الأربعاء ) " قضية الجنوب " ... هل تحتمل التعدد والتنوع ؟!
أحمد عمر بن فريد
لو قدر لباحث جدي متعمق في دراسة المسيرات النضالية التحررية للشعوب على مختلف الأزمنة والأمكنة , دراسة المسيرة النضالية لشعب الجنوب جهة تعاطي النخب والقيادات الجنوبية مع هذه القضية خاصة في شقها السياسي لوجد اننا بما نفعل نقدم حالة " حصرية – استثنائية " لم يسبقنا اليها احد من قبل , ذلك ان " نخبنا السياسية " لا زالت تصر اصرارا - عجيبا وغريبا - على ان ما تسميه هي ب" التعدد والتنوع " في تعريف قضية الجنوب ووسائل حلها , يمثل ميزة ايجابية مطلوبة في عصرنا الحالي , وان تنوعنا في هذه المسألة سوف يحظى باحترام العالم اجمع !
وفي حقيقة الأمر لا اعلم ان كانت هذه القيادة تعلم او لا تعلم ان هذا " التنوع والتعدد " الذي تنادي به وتطبقه من الناحية العملية يمس اهم عامل من عوامل نجاح او فشل اي ثورة لأي شعب ينشد التحرر والاستقلال والسيادة على ارضه ! .. كيف لا ؟ وهذا التنوع الجنوبي الاستثنائي الذي نعيش فوضاه الكبيرة الغير خلاقة والغير اخلاقية , ينسف بالكامل الأرضية الصلبة التي يمكن لثورة الجنوب ان تقف عليها " متماسكة ومتلاحمة " .. الا وهي (( الثوابت الوطنية )) .
من يصدق ان القيادات الجنوبية – التاريخية وغير التاريخية – الشابه منها وغير الشابة لم تستطع حتى الآن ان تتفق على عدد محدد من الثوابت الوطنية ! خاصة وهي تناضل من اجل قضية وطنية تتعلق بوطن ساد ثم باد , وبارادة شعب كانت ثم زالت , وبهوية قدر لها ان تكون العوبة في متناول ما يمكن تسميته بالطيش السياسي الأرعن لمن حكم ولمن نظر ولمن خان هذا الوطن الذي نبحث عنه اليوم وننشد استعادته .
ان عدم مقدرة القيادات الجنوبية في خط وترسيم " ثوابت وطنية " واضحة وقطعية الدلالة في نصوص ممالثة لأي حالة نضالية متطابقة مع حالتنا يعتبر – من وجهة نظري الشخصية – السبب الرئيسي وربما الوحيد في كل هذا الفشل الذريع الذي نعيشه حاليا في لملمة الصف الجنوب ووحدة قياداته . كما انها نتاج طبيعي لكل تلك النصوص والصيغ " المائعة " .." المبهمة " التي تحتمل اكثر من معنى واكثر من دلالة واكثر من تفسير . انها السبب الرئيسي في كل هذا " التحايل " من قبل الجنوبيين تجاه بعضهم حينما يعقدوا لقاءات او اجتماعات تهدف الى " وحدة الصف ووحدة القيادة " ... كما انها الباب الواسع الذي يمكن ان ينفذ ويتسرب من خلاله هذا " القيادي الزئبقي " من مسئوليته والتزاماته الوطنية تجاه شعبه متى شاء ومتى اراد . والأدهى والأمر .. بل والأخطر من كل ذلك يتمثل في انها السبب الحقيقي في تمكين المحتل من ارضنا حتى اليوم , وفي تمكن أجهزة المخابرات الأقليمية والدولية من العبث ب " قضية الجنوب " وتطويعها لتحقيق مصالحها في المنطقة على حسابنا نحن ابناء الجنوب
ولأنها لا توجد لدينا ثوابت وطنية او ميثاق وطني - ان شئتم - متفق عليه , يمكن لصاحب التكتيك السياسي ان يدعي دون ان تستطيع ان تنفذ الى حقيقة ما ينشده من وراء هذا التكتيك , أنه بما يفعل انما يخدم " الاستراتيجية " او الهدف الوطني الرئيسي الذي ينادي به شعب الجنوب في التحرير والاستقلال , وان طريقه السليم لتحقيق ذلك لن يكون الا عبر " البوابه الخلفية " ..!! وفي مثل هذه الحالة يمكن لهذا التكتيك الجهنمي – الغير منتهي – ان يتحول الى استراتيجية تقوض الهدف الرئيسي وتقضي عليه مع مرور الزمن ..وفي هذه الجزئية من التعاطي مع قضية الجنوب سياسيا وفقا للحرفية والمهنية المحضة , فان صاحب التكتيك يفترض في كل عمله هذا ان " خصمه السياسي " في صنعاء .. اطرش .. اصم .. ولا يعقل ..ما يجعله – اي الخصم السياسي – مضحكة .. يستطيع ان يتلاعب بها صاحب التكتيك كيفما شاء ومتى ما اراد ! غير مدرك , أن ذلك مجافي للمنطق السليم ومتناقض مع حقائق التاريخ التي تقول (( انهم )) كانوا اكثر ذكاء ودهاء منا في جميع المحطات السابقة التي جمعتنا بهم .
ما اعلمه .. ولا اعتبره جديدا بأي حال من الأحوال , يقول ان التعدد والتنوع الوطني لايمكن ان يكون حول الثوابت الوطنية , وان التاريخ السياسي لم يقدم لنا حالة مماثلة لحاتنا الغريبة التي تتنوع فيها الفصائل الجنوبية دون ان ترسي ثوابتها الوطنية اولا .. بل ان التنوع الذي تنادي به حاليا هو تنوع يمس هذه الثوابت في صلبها وفي جوهرها ! .. فمنذ متى يا سادتي كانت الهوية غير معرفة لمن يناضل من اجل وطن ؟ ومنذ متى كانت الحدود غير معروفة ومحددة في نصوص وطنية ايضا ؟ ومتى كان الهدف الوطني الرئيسي ووسائل تحقيقه غير محددة بنصوص واضحة كما هو الحال في وضعنا المؤلم ؟.. من يستطيع ان يقدم لنا حالة مشابة لحالتنا تماما حتى يبرر لنا هذا الخطأ الجسيم الذي ما نسير فيه حاليا ! .. لو كان لدينا " ميثاق وطني " لأصبح الخروج عن نصوصه " خيانة عظمى " .. ولما امكن للمأسوف عليهم مثل الناخبي وشطارة وغيرهما اي مساحة للتلاعب فيها كتلك التي يسرحون ويمرحون فيها حاليا .
تعددت الفصائل الفلسطينة في منظمة التحرير الفلسطينية – كحالة نستدل بها – في امور وقضايا لا علاقة لها بالثوابت الوطنية الفلسطينية التي حددت في نصوص تم التوقيع عليها , وتنوعت واختلفت تحت هذه الثوابت وليس حولها .
فلا يستطيع محمد دحلان – على سبيل المثال – الخروج عن الثوابت الفلسطينة مهما هبط او انحط في درجة تعامله مع الاسرائيلين , ولا يستطيع صائب عريقات " كبير المفاوضين " ان يتجاوز في حواراته مع اليهود ثوابت الشعب الفلسطيني .. ومات المناضل ياسر عرفات الذي ناور اكثر مما ناور اي زعيم تاريخي من اجل قضيته الوطنية مسموما لأنه كان مخلصا للثوابت الفلسطينية ... اعلم ان مصلطح " الثوابت الوطنية " يصيب البعض من قياداتنا بالغثيان والصداع والاشمئزاز ! واعلم انه يتمثل لهم الشيطان على طاولة الحوار ( الجنوبي – الجنوبي ) عند طرح هذا الموضوع للحسم فيه او حتى للنقاش حوله ! ... لقد رأيتهم يهربون منه كما يهرب الحمل من الذئب المفترس ! .. اما لماذا كل هذا الهروب المريب .. فانني احيل الجواب لك عزيزي القارئ الكريم لتقدر شخصيا ما هي الاسباب الحقيقية جراء ذلك !
*مقال خاص لـ عدن الغد