نـص الرؤية الشرعية عن "الوحدة اليمنية" التي أعدها عدد من علماء الدين
عـدن المنارة/خاص:
04 - يونيو - 2013 , الثلاثاء 07:23 مسائا (GMT)
22 مشاهدة | لا يوجد تعليقات
صدرت اليوم رؤية شرعية عن "الوحدة اليمنية" في دراسة أعدها مجموعة من علماء وشيوخ حركة النهضة الاسلامية ولأهميتها ننشرها كما يلي:ــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة اليمنية (رؤية شرعية)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين..وبعد..
فهذه ورقة موجزة لتأصيل الموقف الشرعي من الوحدة التي قامت في اليمن عام 1990م وبيان هل هي وحدة إسلامية وفريضة شرعية أم أنها وحدة سياسية ومسألة اجتهادية، وتتضمن الورقة تأصيلا شرعيا لمفهوم الوحدة في الإسلام وأقسامها، والتفصيل في مسألة الوحدة السياسية في ظل الخلافة الإسلامية والوحدة السياسية في ظل الدولة الوطنية المعاصرة، ثم بيان حقيقة الوحدة اليمنية القائمة اليوم والموقف الشرعي منها وبيان الحكم الشرعي في الخيارات السياسية المطروحة اليوم لحل القضية الجنوبية بما فيها مشاريع الفيدرالية والاستقلال وفك ارتباط الجنوب عن الشمال، وهي ورقة تثقيفية داخلية أعدتها حركة النهضة لتنطلق منها في بناء مواقفها السياسية تجاه الخيارات المطروحة لحل القضية الجنوبية..
أولاً: أقسام الوحدة الإسلامية:
بالنظر في النصوص الشرعية نجد أن (الوحدة الإسلامية) كمصطلح شرعي تنحصر في معنيين اثنين:
المعنى الأول: وحدة المسلمين على أساس الدين والعقيدة والأخوَّة الإيمانية، وهذه من أوجب الواجبات، وآكد القربات، وعلى هذا المعنى من معاني الوحدة تنـزل النصوص الشرعية الواردة في الأمر بالجماعة والائتلاف والاعتصام بحبل الله -وهو الدين القويم والقران الكريم وكلمة التوحيد- والنهي عن التفرق في الدين والابتداع فيه واتباع سبل الضلال، والوحدة بهذا المعنى لازمة لكل من اتصف بأوصاف الإسلام والإيمان، ولا تنفك عنهم بحال من الأحوال في حالات القوة أو فترات الضعف، وهي وحدة غير محصورة في قطر من الأقطار أو بلد من البلدان أو شعب من الشعوب، بل هي وحدة قلبية ورابطة إيمانية أخوية لا تنفك عراها بين المسلمين وإن اختلفت بلدانهم وتعددت أقطارهم وتباعدت المسافات بينهم، وعليها يقام الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله([1]).
المعنى الثاني: وحدة كيان الخلافة الإسلامية، وهي الوحدة السياسية الشرعية والمقصود بها اجتماع المسلمين في كيان سياسي واحد وخلف سلطة حاكمة واحدة، يعبر عنها شرعًا بسلطة الإمام الأعظم (الخليفة)، سواء كان نظام الحكم راشديًا يقوم على الشورى للأمة، أو مستبدًا يقوم على سلطة الفرد، أو كان نظام الحكم مركزيا أو لا مركزيًا كما هو الحال عندما خرجت بعض الأقاليم عن مركزية الخلافة مع بقائها على الولاء العام الذي يحفظ السيادة لمركز الخلافة، فلم يعلن أحد من السلاطين المتغلبين نفسه خليفة للمسلمين إلا في القرن الرابع الهجري، عندما أعلن العبيديون من الشيعة الإسماعيلية الخلافة الفاطمية في مصر سنة (297هـ)([2])، وأعلن الأمويون الخلافة في الأندلس سنة (316هـ)([3]).
ونظراً لنازلة التفرق التي حلت بالمسلمين، فقد بدأ بعض الفقهاء حينها يطرحون مسألة شرعية تعدد الخلفاء بقدر الحاجة([4])، نظراً إلى مقصد الشريعة من نصب الحكام([5])،مع أن جماعة من الفقهاء نقلوا الإجماع على عدم جوازه كالإمام الماوردي في”الأحكام السلطانية”([6]) وغيره([7]). لكن القول بتعدد الخلفاءلم يجز قيام الدولة الوطنية (المغلقة)، فقد بقيت الوحدة الجغرافية قائمة، وظلت بلاد المسلمين واحدة، لا تفصل بينها الحدود، ولا يحول بين المسلمين حائل، فهي أمر مطلوب شرعًا لأنها وسيلة إلى تحقيق الأخوة الإسلامية، ولازم من لوازم اجتماع المسلمين، فظلت حرية التنقل بين أقاليم البلاد الإسلامية مكفولة لا يعوقها إلا انعدام الأمن وانتشار قطاع الطريق في بعض النواحي. ولم يعرف المسلمون الحدود المغلقة إلا في القرن الرابع عشر الهجري بعد سقوط دولة الخلافة العثمانية، وميلاد الدويلات الوطنية.. لاسيما بعد سيطرة الأنظمة العسكرية المستبدة التي تتنازع ولاءاتها قوىً استعمارية شرقية أو غربية.. ومن يطالع كتب الرحلات([8]) التي قام بها أصحابها في الفترة السابقة لعام (1350ه) (1930م) فلن يجد ذكرًا للتأشيرات والجوازات وأنظمة التنقل بين الدول الإسلامية –لا سيما العربية منها-.
ثانيًا: الوحدة السياسية بعد سقوط الخلافة الإسلامية:
ظلت الخلافة الاسلامية –حتى في عصور الضعف والانحطاط- قائمة بثلاث وظائف عظمى والتي تعد بمثابة شروط الحد الادنى لوجودها وهي: تحكيم الشريعة وحماية بيضة المسلمين (دار الاسلام) ورمزية وحدة المسلمين. وفي أواسط القرن الهجري الماضي نزلت بالمسلمين نازلة سقوط الخلافة بالكلية، واندراس معالمها ورسومها، وتبدل الشريعة في أكثر نواحي بلاد الإسلام، وتجزؤ البلاد الإسلامية إلى دويلات ضعيفة مغلوبة على أمرها تربو على الخمسين، فنحتاج عند دراسة تجارب توحيد بعض هذه الدويلات إلى تفكير واقعي يراعي مقاصد وحدة المسلمين، ولا يقفز على الواقع للخروج من حالة التمزق والشتات، ويراعي مبدأ الموازنة بين المصلحة والمفسدة، حتى يأذن الله -تعالى- بعودة الخلافة الإسلامية بعد أن تتوفر أسبابها الذاتية والموضوعية. وسنتناول مسألة (شرعية الوحدة السياسية بين بلدان العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة) في النقاط الآتية:
أ. الدولة الوطنية القُطْرية:
ظهر مصطلح (الدولة الوطنية) بعد سقوط الخلافة العثمانية حيث بدأت في الظهور دويلات تنتسب إلى الحيز الجغرافي الذي تشغله، أو الهوية الوطنية التي تجمع أهل ذلك الحيز الجغرافي، فكان ظهور (سوريا الكبرى) سنة 1920م، و(المملكة المصرية) عام 1936م، و(الجمهورية اللبنانية) عام 1946م… وهكذا توالت البلدان العربية والإسلامية على المنوال نفسه، وأحيت بعضها أسماء مندثرة تعود إلى عهود الجاهلية الأولى، مثل: (تُركيا) و(سوريا) و(ليبيا) و(إيران) ونحوها.. واستشرت هذه النبتة التي صارت تُعرف بالدولة الوطنية في عموم انحاء العالم الاسلامي، وهي ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ الإسلامي، فلم يسبق أن تسمت دولة إسلامية بهذه الطريقة من قبل!.
ب. شرعية الدويلات الوطنية:
للدولة الوطنية المغلقة المعاصرة في العالم الاسلامي احدى حالتين:
الحالة الأولى أن تكون مرجعية الدولة الوطنية القُطرية إلى غير شريعة الإسلام، وهذه الحالة هي الاصل في الدولة الوطنية، ولا غرابة في ذلك فقد نشأت هذه الدويلات الوطنية في العالم الاسلامي في ظل الهيمنة الاستعمارية الاجنبية والتخلف الحضاري الكبير الذي باتت تعيشه الأمة الاسلامية، وبالتالي لم تقم مرجعية الحكم في هذه الدويلات على الإسلام بمفهومه الحضاري الشامل اما بتبديل لبعض الشرع أو كله وتحكيم القانون الوضعي بدلاً عن أحكام الشريعة ومبادئها، أو تكون مرجعيتها العامة للشريعة الإسلامية لكن يغلب فيها الظلم والفساد، ولا تحصل في ظلها رعاية ضروريات الشريعة ومقاصدها.
الحالة الثانية: أن تكون مرجعية الحكم في الدولة القطرية إلى الإسلام عقيدة وشريعة، في المبدأ والتطبيق، وأن تقيم العدل، وتحارب الظلم، فهذه الدولة يمكن أن توصف بأنها (إسلامية) فهي تستمد شرعيتها من الإسلام الذي تنتسب إليه، ومن الشريعة التي تتحاكم إليها، وتحكم سياساتها الداخلية والخارجية المصلحة الشرعية العليا، وهذه الحالة عزيزة الوجود في الدويلات القُطْرية المعاصرة، لكنها مطلوبة شرعًا وستظل مشروعًا استراتيجيًا للحركة الاسلامية المعاصرة!. ولكن في حال وجود دول قُطْرية معاصرة تتصف بهذا الوصف، فإنها –مع شرعيتها الاسلامية في إطارها القُطري- لا تمتلك شرعية الإمامة العظمى حتى تخطو الخطوة التالية الواجبة عليها في تبنيها لمشروع عودة الخلافة الإسلامية وحمل راية الدفاع عن بيضة المسلمين.
ج. الوحدة بين الدويلات الوطنية (القُطْرية):
الواجب ان تسعى الدول القطرية –ذات المرجعية الإسلامية- لإقامة أي شكل مناسب من أشكال الوحدة فيما بينها بصورة من الصور الممكنة، وبما يحقق التعاون الاقتصادي بين أقطارها، ويعزز مشاعر الأخوة الإسلامية بين شعوبها، ويحافظ على وحدتها الثقافية واللُّغوية والاجتماعية، ويحقق الأمن والاستقرار فيها، فهذا النوع من الوحدة هو أحد السبل الممكنة لاستعادة الخلافة الإسلامية، وتصبح هذه الوحدة الممكنة فريضة شرعية وضرورة واقعية([9]).
لكن السؤال هو ما حكم الوحدة بين الدول القطرية –الوطنية- التي تمثل الحالة الأولى ولا تنطلق من مشروع إسلامي، ولم تقم مرجعية الحكم فيها على أساس الإسلام بمفهومه الشامل؟
للإجابة على هذا السؤال يمكن أن نحصر أقوال الفقهاء المعاصرين في قولين:
القول الأول: أن قيام الوحدة فيما بين هذه الدويلات مصلحة شرعية لذاتها، وأن المفاسد المترتبة عليها آنية تزول بتغير الظروف، لأن المستقبل للإسلام، وأن مفسدة الفُرْقة أكبر من مفسدة الوحدة ولو لم تكن على أساس شرعي. وأصحاب هذا الرأي يستدلون بعموم النصوص التي توجب على المسلمين الوحدة والائتلاف وتنهاهم عن الفُرقة والاختلاف، ومن أبرز من أصَّل لهذا الرأي الدكتور محمد خير هيكل في أطروحته (الجهاد والقتال في السياسة الشرعية)([10]). لكن لم نعرف من علماء العالم الاسلامي من قال بأنها ترتقي الى مستوى الفريضة الشرعية الموجبة للقتال لأجل الحفاظ عليها.
القول الثاني: أن قيام الوحدة فيما بينها يخضع للموازنة بين المصالح والمفاسد التي تترتب عليها، فإن غلبت المصالح، وكانت سببًا لتحقيق العدالة، وخطوة في طريق جمع الشمل وتمكين أهل الحق في الأرض فإنها تكون وحدة معتبرة، وإن أدت إلى خلاف ذلك فهي غير معتبرة، وقد يصبح الأصلح هو تفكيك عُراها درءًا للمفاسد التي تترتب عليها كفساد وحدة الأخوة والدين، وتقطيع أواصرها، وفشو الظلم والقهر، وتهديد السلم الاجتماعي، وحصول الفتنة بين المسلمين بسببها؛ فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وعلى هذا الرأي: فتنزيل نصوص الشرع في وجوب الوحدة السياسية الإسلامية في إطار هذه الدول يعد إخراجًا للنصوص عن مساقها الصحيح، ويبقى التعامل مع هذه الكيانات (الدول الوطنية) وقيام وحدة من نوع ما بين بعضها أمرًا اجتهاديًا خاضعًا للموازنة بين المصالح والمفاسد، فقد تكون المصلحة في اتحادها في شكل دولة مركزية او فيدرالية، أو في انفصال بعضها حسب الأحوال, وهذا الرأي تشهد له اجتهادات جماعة من علماء العصر في وقائع مختلفة، ومن ذلك:
1- وقوف بعض علماء مصر وسوريا ضد مشروع الوحدة الذي قام بين الدولتين عام 1958م، بعد أن وضع النظام المصري يده على مفاصل السلطة في (الجمهورية العربية المتحدة)، وأشعر السوريين بأن هذه الوحدة نزعت عنهم الحرية التي كانوا ينعمون بها من قبل!. ومن أبرز العلماء الذين حرَّضوا ضد تلك الوحدة: الشيخ علي الطنطاوي من وغيره من علماء سورية[11]، وقد أثنى على موقفهم بعض علماء مصر منهم الشيخ يوسف القرضاوي([12])
2- وقوف علماء شمال اليمن في فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين الميلادي بشدة وحزم أمام المحاولات التي حاول بها نظام الرئيس عبدالرحمن الارياني والرئيس ابراهيم الحمدي تحقيق وحدة مع الشطر الجنوبي، وعند قيام الوحدة اليمنية عام 1410هـ/1990م اعترض كثير منهم عليها شكلاً ومضمونًا وعدها بعضهم كفرًا([13]).
3- وقوف هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1990م ضد مشروع ضم الكويت إلى العراق بالقوة، مع أنه شكل من أشكال الوحدة بين دولتين قُطْريتين حسب دعوى الرئيس العراقي صدام حسين. وقد أفتى أكثر هؤلاء العلماء حينها بقتال الجيش العراقي باعتباره محتلاً وجوزوا الاستعانة بجيوش التحالف الغربية لدحر ما اعتبروه (احتلالاً)([14]).
4- دعوة الشيخ عبد العزيز ابن باز عام 1994م الطرفين المتقاتلين في اليمن من الجنوبيين والشماليين إلى الحوار والتفاهم ونبذ العنف، مع أن أحد الطرفين كان قد أعلن فك ارتباطه بالآخر، ولو كانت الوحدة واجبة في نظره لكان الطرف الشمالي يقاتل من أجل حق شرعي، ولما دعا إلى الحوار الذي قد يفضي إلى فك الارتباط.
5- هذا القول هو ما يفتي به ابرز علماء جنوب اليمن اليوم، وهو القول الذي أخذت به حركة النهضة، وخلاصته: (ان قيام وحدة بين أي هذه (الدول الوطنية) يظل أمرًا اجتهاديًا خاضعًا للموازنة بين المصالح والمفاسد، فقد تكون المصلحة في اتحادها في شكل دولة مركزية أو فيدرالية أو في انفصال بعضها حسب الأحوال..والله اعلم).
ثالثا: نظرةإلى الوحدةاليمنية:
اليمن احد الاقاليم الجغرافية التي تكون شبه الجزيرة العربية، ويطلق لفظ (اليمن) ويقصد به الجهة الجنوبية للحجاز (يمين الكعبة المشرفة)، وتذكر اليمن الطبيعية –غالبا- في مقابل الشام الطبيعية الواقعة شمال الحجاز. اما من الناحية السياسية فلم تقم على ارض اليمن طوال التاريخ الاسلامي دولة (وطنية مغلقة)، ولم يعرف –تاريخيا- ان اقترن لفظ (اليمن) باسم أي دولة من الدول الاسلامية التي تعاقبت على حكم منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية طوال اكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان، من اوائل عصر صدر الاسلام حتى عام 1923م حين اعلن الامام يحيى حميد الدين تحويل اسم (المملكة المتوكلية الهاشمية) الى (المملكة المتوكلية اليمنية) تكيفا مع الوضع الدولي الجديد الذي تشكل بعد سقوط الخلافة، فكان ذلك التاريخ هو البدايات الأولى لظهور الدولة الوطنية القطرية في اليمن، ثم قامت الجمهورية العربية اليمنية بعد ثورة سبتمبر 1962م على ذات التراب الوطني والهوية الوطنية والحدود السياسية للمملكة المتوكلية اليمنية، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوبية) الشعبية بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1967م على ذات البقعة الجغرافية التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية البريطانية (عدن ومحمياتها الشرقية والغربية)، ثم اتحدت هاتان الدولتان عام 1990م في دولة واحدة هي الجمهورية اليمنية، وقد كانت المصلحة المرجوة من تلك الوحدة عند قيامها كبيرة على شعبي الدولتين، وكان الاندفاع اليها كبيرا لاسيما من ابناء الجنوب الذين كانوا يتطلعون للانعتاق من الحكم الشمولي الذي كان سائدا في الجنوب انذاك، لكن ما استجد من اوضاع بعد حرب صيف 1994م في الجنوب جعل حالة الرفض لتلك الاوضاع تتفاقم وتزداد شيئا فشيئا –في ظل السياسات القمعية- حتى بلغت الى درجة المطالبة بفك الارتباط، ولا تزال حالة الرفض الجنوبي في تصاعد مستمر، وقد تتطور الى اشكال اخرى من المقاومة العنيفة في حال استمرار القمع وفي ظل تغذية اطراف دولية واقليمية لمثل هذا النوع من الاعمال[15]، ولتلخيص الموقف الشرعي من الوحدة اليمنية نوجز ما يلي:ــ
1) الوحدة التي تم الإعلان عنها في اليمن عام 1990م هي وحدة سياسية بين دولتين وطنيتين قطريتين لا تمثل احدهما دولة الإسلام ولا مشروع الخلافة الإسلامية، وبالتالي فالحكم على هذه الوحدة يتوقف على النظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة عليها، ولا تعتبر فريضة شرعية لذاتها، وكذلك فك الارتباط ليس فريضة شرعية لذاته بل هما من المسائل الاجتهادية التي تخضع للموازنة بين المصالح والمفاسد ولا تنزلان منزلة القطعيات الشرعية.
2) الوحدة السياسية القائمة حاليا -في ظل حالة الاحتقان الجنوبي الواسعة- لم تعد تحقق المصالح المرجوة من قيامها، بل قد يؤدي استمرارها -بصورتها الحالية- إلى فساد وحدة الأخوة في الدين وتقطيع أواصر القربى وتهديد السلم الاجتماعي وحصول الفتنة بين المسلمين، مما يجعل مسألة السعي لإيجاد حل عادل للقضية الجنوبية يرتضيه الشعب في الجنوب ويجنب اليمنيين الفتنة واجبا شرعيا على عموم القادرين من أبناء الأمة بشكل عام وعلى حملة المشروع الإسلامي بشكل خاص.
3) إعادة صياغة الوحدة اليمنية في شكل جديد من أشكال الوحدة (الفيدرالية والكونفدرالية) أو فك ارتباط واستقلال الجنوب، جميعها مسائل اجتهادية مقبولة من الناحية الشرعية لحل القضية الجنوبية مادمت ستحقق الرضا الشعبي وتقطع أسباب النزاع وتحفظ الحد الأدنى من وحدة الإخوة في الدين وتدرأ الفتنة بين المسلمين[16].
4) العمل المسلح مرفوض شرعا سواء كان في سبيل الدفاع عن الوحدة اليمنية او في سبيل تحقيق استقلال الجنوب، لكون التوصيف الشرعي للوحدة اليمنية القائمة لا يرتقي الى مستوى (الفريضة الشرعية) الموجبة للجهاد، وكذلك الوضع القائم في الجنوب لا تتوفر فيه الشروط الشرعية الموجبة لجهاد الدفع، وبالتالي يتوجب على العلماء والدعاة القيام بواجبهم الشرعي في البلاغ المبين والاحتساب على الظالمين، وأن يبذلوا قصارى جهدهم في التوعية وترشيد ثورة الشعب السلمية وتعديل وجهتها وفق الأحكام الشرعية والمصالح المرعية، والله المستعان[17].
والحمد لله رب العالمين.
================
([1]) قال الإمام ابن جرير الطبري (جامع البيان: 4/18) في تفسيره لقوله -تعالى-: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا}: “يعني بذلك -جل ثناؤه-: وتعلقوا بأسباب الله جميعًا. يريد بذلك -تعالى ذكره-: وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه إليكم، من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله”.
وقال الإمام البَغَوي (معالم التنزيل: 1/333) في تفسيره لهذه الآية:”الحبل: السبب الذي يتوصل به إلى البغية. وسمي الإيمان حبلاً لأنه سبب يتوصل به إلى زوال الخوف. واختلفوا في معناه ههنا: قال ابن عباس: معناه تمسكوا بدين الله، وقال ابن مسعود: هو الجماعة، وقال: عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة. وقال مجاهد وعطاء: بعهد الله، وقال قتادة والسُّدِّي: هو القرآن”.
وقال الإمام تقي الدين ابن تيمية في(مجموع الفتاوى: 8/219): “والله –سبحانه- إنما خلق الخلق لعبادته ليذكروه ويشكروه ويعبدوه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب ليعبدوه وحده ويكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا، قال –تعالى-:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}. وقال: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون}. وقد أمر الرسل كلهم بهذا وأن لا يتفرقوا فيه فقال: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}. وقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة}…الآية. قال قتادة: أي: دينكم واحد وربكم واحد والشريعة مختلفة. وكذلك قال الضحاك. وعن ابن عباس: أي دينكم دين واحد”.
وقال العلَّامة محمد بن علي الشوكاني (فتح القدير:1/367) في تفسير قوله -تعالى-: {واعتصموا بحبل الله}…الآية: “الحبل لفظ مشترك. وأصله في اللغة: السبب الذي يتوصل به إلى البُغية، وهو إما تمثيل أو استعارة. أمرهم –سبحانه- بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين”.
([2]) التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 6/21-22.
([3]) المرجع السابق 6/16-17.
([4]) يراجع بحث تفصيلي في المسألة للشيخ عبدالفتاح ابن قديش اليافعي بعنوان: (حكم تعدد الحكام وتعدد الدول الإسلامية: دراسة فقهية مقارنة).
([5]) ينظر على سبيل المثال كلام إمام الحرمين الجويني في “غياث الأمم” ص(129).
([6]) ص(10) .
([7]) كان إمام الحرمين الجويني بعيد النظر حين تصور وجود زمان تخلو فيه الأرض من إمام، وأعطى رأيًا سديدًا في قضية نصب الحكام وتعددهم في هذه الحالة، رغم أنها لم تقع في زمنه، واعتبر هذا من فقه الضرورة والمصلحة، فقال: “وإن لم يتقدم نصب إمام كما تقدم تصويره ولكن خلا الدهر عن إمام في زمن فترة وانفصل شطر من الخِطَّة [الدولة]عن شطر، وعسر نصب إمام واحد يشمل راية البلاد والعباد، فنصب أمير في أحد الشطرين للضرورة في هذه الصورة، ونصب أمير في القُطر الآخر منصوب، ولم يقع العقد الواحد على حكم العموم؛ إذا كان يتأتى ذلك، فالحق المتبع في ذلك أن واحدًا منهما ليس إمامًا، إذ الإمام هو الواحد الذي به ارتباط المسلمين أجمعين. ولست أنكر تجويز نصبهما على حسب الحاجة ونفوذ أمرهما على موجب الشرع ولكنه زمان خالٍ عن الإمام” غياث الأمم ص(129-130).
[8] ) مثل كتاب (أعمدة الحكمة السبعة) للورانس، و(رحلة الأمين) للعلامة محمد الأمين الشنقيطي، وكتاب: (ملوك العرب) لأمين الريحاني، وغيرها.
([9])يقول العلَّامة محمد أبو زُهْرة–رحمه الله- في كتابه (الوحدة الإسلامية: ص20-30): “وإن هذا العصر هو العصر الذي تتجمع فيه الدول، ويحس كل إقليم أنه مأكول إن لم يكن في جماعة من الأقوياء، وأنه مغلوب على أمره إن لم يتجه مختارًا إلى تجمع دولي… إنه قد تكونت الدول الإسلامية تحكم شعوبًا إسلامية، وقطعت أصابع الأجنبي من بعضها، واستردت في بعضها، ولكن قطعها لا يحتاج إلى مجهود حربي، ولا إلى ثورة عنيفة، وإنما يحتاج فقط إلى تغليب المصلحة الحقيقية على المصلحة الوهمية، والعقيدة الإسلامية على المطامع الأشعبية… يحتاج إلى ضعف الأهواء، ويحتاج إلى الاعتزاز بالإسلام وحده… وإنه قد آن لنا أن نتجمع بشعار الإسلام وحده؛ لأن الإسلام يدعو إلى هذا التجمع، ولأننا إن لم نجتمع بشعار الإسلام وحده، وذهب كلٌّ إلى تجمع لا يحمل شعار الإسلام، تقع الحروب بين المسلمين،… ولا نقصد بأن نكون أمة واحدة، أو أن تحكمنا أمة واحدة، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق، لكن يمكن أن يتحقق منا تجمع واحد، أو جماعة إسلامية واحدة…ويتحقق معنى الوحدة في ثلاثة أمور جامعة: أولها: أن تتحد مشاعرنا جميعًا في الإحساس بأننا إخوة بحكم الإسلام، وأن الأخوة الإسلامية فوق الجنسية والعنصرية.. الأمر الثاني: وحدة ثقافية ولغوية واجتماعية.. الأمر الثالث: ألا يكون من إقليم إسلامي حرب على إقليم آخر”..
[10] )1/323-367.
[11] ) ذكريات علي الطنطاوي 6/69-82. ومما قاله مخاطباً الرئيس عبدالناصر في ص(72) من هذا الجزء: “إن الوحدة يا سيدي لا توصف بذاتها بأنه خير أو أنها شر، والله جمع في آية واحدة بين قوله: {وتعاونوا}، وقوله: {ولا تعاونوا} فقال:{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، وإن اتحد جماعة من المحسنين وتعاونوا على إنشاء جمعية خيرية كان ذلك خيراً، وإن اتحد اللصوص وتعاونوا على تأليف عصابة إجرام كان شراً. ولو جعلتموها وحدة بر وتقوى، واتبعتم فيها شرع الله ولم تتعدوا حدوده لظللنا كما كنا، مرحبين بها، مقبلين عليها، ولكنكم جعلتموها للإثم والعدوان: عدوان على أحكام الشرع، عدوان على أموال الناس وحرياتهم.. أفتبكي عليها بعدما وأدتها؟!… ليبكِ عليها من لحَسَ عسلها، لا من لسعته النحل من حول العسل، ليبكِ عليها من قطف وردها، لا من دميت أصابعه بشوكها، ليبكِ عليها من أكل لحمها، لا من غُصَّ واختنق بعظمها”.
[12] ) راجع مقال للشيخ يوسف القرضاوي على موقعه بعنوان (الوحدة بين مصر وسوريا سياسة نشر القهر).
([13]) ينظر: معركة الدستور في اليمن، عبدالله المصري ويراجع فتاوى مسجلة للشيخ مقبل الوادعي والشيخ عبدالمجيد الزنداني.
([14])قرار هيئة كبار العلماء رقم ().
[15] راجع رؤية حركة النهضة سرد تاريخي
[16] من هذا المنطلق تبنت حركة النهضة خيار إعادة الأمر للشعب في الجنوب للاستفتاء وتقرير المصير
[17] راجع بحث موجز بعنوان العمل المسلح والقضية الجنوبية من منظور شرعي.