ان يوم 7/7/1994م يوم حزين في حياتنا ، لأنه يوم إسقاط مشروع الوحدة و احتلال الجنوب . ففي صباح ذلك اليوم خرجنا من عدن بعد اجتماع في القصر ((المدور)) قررنا فيه الخروج من عدن لسلامة ما تبقى في المدينة ، و لكنها للأسف وقعت في أيادي النهب و السلب لقبائل و عساكر النظام ، و في أيادي شيوخ الغنائم من الإسلاميين في صنعاء و القوى الجهادية القادمة من أفغانستان ، حتى ان مراسل قناة ال (( mbc )) بعد أسبوع قال : لقد توقف النهب في عدن ، لأنه لم يعد هناك ما ينهبوه ... الخ . و بعد ذلك دخلوا في لعبة الحوار الديمقراطي لدفن الجريمة التي ارتكبوها في حق شعب الجنوب ، ثم في حرب صعده و تنظيم القاعدة لنفس الهدف ، و كذلك ثورة الشباب التي قال قادتها بأنهم سيضحون بها في سبيل بقاء الجنوب في قبضة الشمال ، و أخيرا طبخة مؤتمر الحوار الوطني الذي أبتكر مفهوم اليمن الحضاري و اليمن التاريخي الواحد لنفس الهدف أيضا ، مع انه لم و لن يوجد شي أسمه اليمن الحضاري ، لان أية حضارة هي نسبه إلى البشر الذين صنعوها و ليست إلى الجهويه الجغرافية كاليمن باعتباره اتجاه جهوي و ليس اسم أمه . و لهذا و من اجل التوعية للشباب والتوثيق للأجيال القادمة نورد التالي :
1- إننا حتى و لو افترضنا بأن اليمن اسم أمه ، فان كل وقائع التاريخ القديم و الحديث تبرهن على انه لم يوجد يمن حضاري واحد و لم يوجد يمن تاريخي واحد منذ فجر التاريخ ، و لو كان اليمن الحضاري و التاريخي واحدا لما ظهرت دويلاته المتعددة في وقت واحد ، لان هذه الدويلات هي دليل على غياب الوحدة الحضارية و التاريخية و ليس العكس . أمّا التاريخ الحديث فقد أفرز دويلات السلاطين في الجنوب التي توّجت بدولة الجنوب العربي عام 1959م ثم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية كأمتداد لها عام 1967م . كما افرز الواقع في الشمال دويلات الأئمة التي توّجت بدولة المملكة المتوكلين الهاشمية عام 1918م ، ثم الجمهورية العربية اليمنية عام 1962م . و بالتالي من أين جاء مفهوم اليمن الحضاري و التاريخي الواحد ؟؟؟ . و هل يفهم أصحاب هذا المفهوم بأن تمسكهم به دليل على نكرانهم للوحدة و يعطي المزيد من الشرعية لمطالبنا ؟؟؟ .
2- ان الحل لقضية شعب الجنوب لا يتطلب البحث في اليمن الحضاري و التاريخي ، و إنما يتطلب البحث في الحرب و نتائجها التي أسقطت مشروع الوحدة و أدت إلى احتلال الجنوب ، لان هذا هو الذي سيظهر رؤية الحل الواضحة و آليّة الحل الواضحة . أمّا خارج ذلك فهو مستحيل ، و من يخالفني هذه الحقيقة عليه ان يدحضها . فقد قال الشيخ عبدالله في مذكراته رحمه الله ، أنهم خططوا لتعطيل اتفاقيات الوحدة قبل إعلان الوحدة . و هذا يعني بأنهم كانوا يهيئون للحرب ، و بالفعل جاءت الحرب و موازين القوى العسكرية لصالح الشمال . فقد كانت محافظة عدن محاصره عسكريا بقوات العمالقة الشمالية في أبين و بقوات الكبسي الشمالية في لحج قبل الحرب ، إضافةً إلى آلاف العسكريين و الأمنيين الشماليين المتواجدين داخل مدينة عدن نفسها . و إذ كر ان العطاس قد أصدر قرارا بتعيين محمد علي احمد محافظا لمحافظة أبين قبل الحرب و لم يستطع الذهاب إلى أبين لاستلام مهام عمله و لم يدخلها .
3- انه بحكم ان موازين القوى العسكرية لصالح الشمال ، فقد بعثت عوض محمد فريد المساعد الحالي لوزير الدفاع و سالم منصور دافق المسئول الحالي للحراك في المحفد ، بعثتهما إلى احمد مساعد الذي كان يرافق الرئيس علي عبدالله صالح في تعز ، و طلبت منه إقناع علي عبدالله صالح بالموافقة على وثيقة العهد و الاتفاق بعد ان رفضها في خطاب له من تعز ، و قلت له ان رفض الوثيقة يعني الحرب و انه ممكن ان يكسب الحرب ، و لكنه سيخسر الوحدة و سيتحمل المسئولية لوحده و يخسر السلطة فيما بعد . و قد استطاع احمد مساعد ان يقنعه بقبول الوثيقة و أعلن قبولها من مدينة تعز . و بسبب إعلانه قبول الوثيقة ، أجتمع المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عدن ، و أجمع على رفضها . و لكنني أثناء الاجتماع كتبت رسالة صغيره للبيض أقنعته بضرورة الموافقة على الوثيقة لتجنب الحرب ، و هي الرسالة التي تم تسريبها إلى صنعاء و جاءت في كتاب الشميري (( ألف ساعة حرب )) .
4- بعد ان وافق الطرفان على الوثيقة من حيث المبدأ ، قاما بتشكيل لجنه لتحديد مكان و زمان التوقيع عليها ، و كان من بين أعضاء اللجنة الشهيد مجاهد أبو شوارب و الشهيد جار الله عمر رحمهما الله ، و أقرت اللجنة بأنه لا يوجد مكان أمن في اليمن للتوقيع . و بعد مشاورات داخليه و خارجية تم الاتفاق على ان يكون التوقيع في الأردن . و السؤال المحير هو كيف أصبح اليمن اليوم آمنا لمؤتمر حوار وطني يتطلب شهور من الزمن و لم يكن آمنا لتوقيع الوثيقة الذي لم يتطلب سوى ساعات ، مع ان الوضع الأمني في السابق كان أفضل بكثير من الان ؟؟؟ .
5- عند الذهاب إلى الأردن للتوقيع على الوثيقة تم تكليفي و هيثم قاسم و السييلي و صالح عبيد بالبقاء في عدن . و في يوم التوقيع على الوثيقة جرى تفجير الوضع في مودية و في عاصمة محافظة أبين ، و تحركت إلى هناك ورابطت في غرفة العمليات التابعة لأمن المحافظة حتى تمكنت من احتواء الموقف بالتعاون مع اللجنة العسكرية المشتركة التي يشرف عليها الملحق العسكري الأمريكي و الفرنسي و الأردني و العماني . و كانت قوات العمالقة الشمالية المرابطة هناك قد وضعت لي عدة كمائن عندما انتقلت إلى دار الضيافة في جبل خنفر ، و اصطد مت هذه الكمائن بقوات شعبيه في مدخل مدينة جعار و قُتل و جُرح عدد من الطرفين .
6- بعد عودة الوفدين من الأردن تم الاتفاق على ان يبدأ التئام الهيئات بعقد مجلس الوزراء و لجنة الحوار في عدن ، ثم في تعز ، ثم في صنعاء المقر الدائم لها . و في يوم الاجتماع الأول في عدن قام الطرف الأخر بإرسال تعزيزات عسكريه إلى شبوة عبر مأرب و اصطد مت بنقطه عسكريه في بيحان و سقط عدد من القتلى و الجرحى ، مع ان وثيقة العهد و الاتفاق تنص على عدم تحريك أو تعزيز إي قوه من الطرفين مهما كانت المبررات . و في يوم الاجتماع الثاني في تعز ، قام الطرف الأخر بمهاجمة لواء باصهيب الجنوبي المرابط في ذمار و سقط عدد من القتلى و الجرحى من الجانبين . و في يوم الاجتماع الثالث في صنعاء قاموا بإنزال جوي في لودر و فجروا الوضع هناك ، و قاموا بتوتير الوضع بين اللواء الثالث الجنوبي و اللواء الرابع الشمالي المرابطين في عمران ، و حينها كنت انوب العطاس في رئاسة الوزراء و لجنة الحوار بعد ان سافر للعلاج ، و اتصل بنا هيثم قاسم من عدن و نحن في الاجتماع ، و قال ان الوضع متوتر في عمران و خطير و لابد من تداركه ، و رد عليه الارياني و قال ان هذا لا يخصنا . ثم اتصل البيض بعلي عبدالله صالح و اخبره أنهم سيحركون اللجنة العسكرية بالطائرة إلى صنعاء من اجل ان تذهب إلى عمران و تحتوي الوضع هناك . و لكنهم احتجزوا اللجنة العسكرية في مطار صنعاء لمدة 24 ساعة حتى استكملوا التجهيزات العسكرية لتدمير اللواء الجنوبي هناك ، و قاموا بتدميره يوم أعلن علي عبدالله صالح الحرب من ميدان السبعين .
7- بعد تدمير اللواء الجنوبي في عمران دعيت جماعة الزمرة إلى لقاء في بيت محمد عبدالله البطاني بصنعاء ، و قلت لهم ان الحل الوحيد لتجنب الحرب الشاملة هو في إزالة خوف البيض دستوريا من الضم و الإلحاق ، و إزالة خوف علي عبدالله صالح دستوريا من الانفصال ، فهل بالإمكان ان نتوحد على هذا الحل و نذهب إليهما و نطرح هذا الحل لهما ، و من يقبله نكون كلنا معه و من يرفضه نكون كلنا ضده ؟؟؟ . فرد أحدهم نيابة عنهم ، و قال لسنا صناع قرار عند علي عبدالله صالح ، و لا أنتم صناع قرار عند البيض . و قلت له نعم ، و لكننا إذا ما توحدنا على هذا الحل سنكون رقم يصعب عليهما تجاوزه . فقال نحن قد وعدنا علي عبدالله صالح بأننا معه و لن نتراجع .
8- بعد ذلك التقيت علي عبدالله صالح و قدمت له مقترح بالحل ، و وافق عليه ، ثم اتصلت بالبيض إلى عدن و قلت له سأصلك غدا بمقترح تم الاتفاق عليه مع علي عبدالله صالح ، فرحب بذلك . و قد طلعت بطائره متجهه إلى عدن ، و لكنها أخذتني إلى الحديدة و طرحتني هناك و قال الطيار أنها عاطلة . و بعد ذلك أخذت سيارتين من محافظ الحديدة و تحركت مع حراستي إلى عدن و وصلنا عدن بعد صلاة العشاء ، و قال البيض ان الوقت متأخر و أفضل ان نلتقي غدا . و في نفس الليلة تم اغتيال أبن أخته و محاولة اغتيال ابنه . و في الصباح ذهبنا إليه نعزيه بدلا عن الحديث معه ، و حينها عرفت ان البلاد قد سقطت بيد مخابرات دوليه اكبر من الجميع . و بالمناسبة في صباح ذلك اليوم جرت محاولة اغتيال لي في معاشيق من قِبل جندي في الحرس الجمهوري ، و عندما قبضنا عليه و أخذنا المسد س منه ، أتصل بي الرئيس علي عبدالله صالح مباشرةً و قال هذا مجنون سلموه لقائد الحرس . و قبل ذلك جرت محاولة اغتيال لي في مكتبي بمجلس الوزراء في صنعاء من قِبل شخص اسمه القدسي (( من قدَس )) طلب مقابلتي و لديه مسد س وضعه تحت الأندروير ، و قبل دخوله إلى المكتب طلب من الحراسة ان يدلوه على الحمام ، و في الحمام أخرج المسدس و وضعه تحت الكوت ، و كانت الحراسة قد شكت فيه عندما سأل عن الحمام ، و مع خروجه من الحمام قبضوا عليه و وجدوا معه المسدس جاهزا للإطلاق ، و سلموه للأمن و اعترف ، و جاءت والدته بعد أسبوع إلى بيتي و قالت انه مجنون و طلبت الرحمة بأطفاله ، و أعطيت لها ورقه بإطلاقه . و هذه الواقعة قد جاءت في كتاب الشميري (( ألف ساعة حرب )) ، و لكنها جاءت بتعليلات سخيفة لم تكن من أخلاقي .
9- ان الصراع الدولي على الجنوب مازال مستمرا . فعلى سبيل المثال هناك إصرار دولي حاليا على ان العناصر الجنوبية المشاركة بالحوار الجاري حاليا في صنعاء ، هي ممثله للحراك الوطني السلمي الجنوبي ، بينما الحراك ذاته يحرك مسيرات مليونيه ترفض هذا الحوار . كما ان العناصر الجنوبية ذاتها المشاركة في الحوار تقول بأنها شاركت بضغط دولي ، و أنها تمثل فصيل من الحراك و ليس الحراك كله . و فوق ذلك يقولون ان التمثيل هو للحراك و ليس للجنوب . و هذا يعني بأنهم يهدفون إلى استبدال الطابع الوطني للقضية بالطابع الحقوقي لها و جعلها قضيه حقوقيه في إطار دوله واحده مثل إي قضيه من قضايا الشمال . و على كل حال أقول لمن يفكروا بذلك أنهم لم يفعلوا سوى التأكيد على صواب موقف الحراك الذي يقول بأن هذا الحوار لا يعنينا .
10- انه حتى و لو افترضنا بأن الحوار يعنينا ، و ان كل أطراف الحراك موافقة عليه و مشاركه فيه ، فإنها لن تمثل الجنوب ما لم تدخل كممثله للجنوب و ليست للحراك ، و فوق كل ذلك فان إي حل تخرج به لا يمكن ان يكون شرعيا إلاَّ بالاستفتاء عليه من قِبل سكان الجنوب الأصليين ، و من يخالفني هذه الحقيقة عليه ان يدحضها . و لهذا فإنني أتمنى على الدول الراعية للحوار و على المتحاورين بأن لا يفرحوا بما وصلوا إليه في قضية الجنوب ، لان ما قدموه حولها يعزلهم عنها و يؤكد على شرعية و صواب ما يطرحه الحراك في مسيراته المليونية المتواصلة و في عصيانه المدني المتواصل ، خاصة و ان الشرعية اليوم هي شرعية الشعوب و ليست شرعية النخب السياسية أو الثورية . و من هذا المنطلق أقول بأن المطلب الشرعي لشعب الجنوب هو استعادة دولته المدنية كحق مشروع طالما و الشمال استعاد دولته القبلية بحرب 1994م . و بالتالي فانه لا يمثل شعب الجنوب الاَّ من يرفع شعار استعادة الدوله ، أو من سيأتي بحق تقرير المصير فقط و لا غير و بالضروره ، و من يخالفني هذه الحقيقة عليه ان يدحضها .
11- ان الكل في تقديري عاجز ذهنيا عن فهم الوحدة . فعلى سبيل المثال قال الرئيس السابق علي عبدالله صالح ان الوحدة ليست شور و قول ... الخ . و هذا يعني ان فهمه للوحدة هو بيع و شراء . فهل هذا القول للرئيس السابق هو دليل على فهمه للوحدة ام انه دليل على عدم فهمه لها ؟؟؟ . و حاليا جاءت حكومة الوفاق الثورية و شكلت لجان لقضايا الارض في الجنوب و تطلب من أهل الجنوب ان يثبتوا على ان الاراضي التي أخذت من قبل الشماليين هي أراضيهم ، بينما هم أصحاب الارض الأصليين ، فهل هذا دليل على فهمهم للوحدة ام انه دليل على عدم فهمهم لها ؟؟؟ . كما أنهم قاموا بتشكيل لجان لتسجيل المسرَّحين الذين حلت مؤسساتهم العسكرية و الامنيه و المدنية بعد الحرب ، بهدف توزيعهم على مؤسسات الشمال بدلا عن عودة مؤسساتهم و عودتهم اليها ، فهل هذا دليل على فهمهم للوحدة ام انه دليل على عدم فهمهم لها ؟؟؟ . فلو كانوا يفهمون الوحدة لكانوا ألغوا الفتوى الدينيه التي بررت الحرب ، و لكانوا أصدروا قرار ببطلان الحرب و نتائجها و تشكيل لجان للتنفيذ و ليس للتحقيق مع الجنوبيين . فليس أمامهم غير الإقرار بإلغاء الفتوى و الإقرار ببطلان الحرب و نتائجها حتى يستقيم المنطق للحل ، أو الإقرار علنا بشرعية الفتوى و بشرعية الحرب و نتائجها حتى يستقيم المنطق لنكران وجود القضيه الجنوبية من اساسها . هذا هو حكم المنطق و ليس هناك منطق غيره بكل تأكيد .