لبوزة قتل قبل ثورة 14 أكتوبر، ومراسلاته مختلقة (1 2)
نجيب قحطان الشعبي
نجيب قحطان الشعبي نشر في عدن أون لاين
يوم 17 - 10 - 2012
بالنظر إلى ما نشر منذ الأحد الفائت 17 أكتوبر في "عدن أون لاين" بعنوان " الشيخ راجح لبوزة يرد على الضابط البريطاني.." من مراسلات مزعومة بين راجح لبوزة والضابط السياسي البريطاني المدعو "ميلن"، فإنه لا ذنب لعدن أون لاين في نشرها فتلك تنشر منذ سنين كثيرة وقد تصديت لها منذ نحو عامين ونشرت ما يثبت أن لبوزة لا علاقة له بثورة 14 أكتوبر وأن تلك المراسلات أختلقها البعض بعد مقتله لينسبوا له تفجير ثورة 14 أكتوبر بل وقادها! ولكن لا يزال هناك إصرار عجيب من الكثيرين على تزييف الحقيقة وأولهم الإعلام الرسمي لصنعاء الذي يزعم منذ سنين بأن لبوزة عاد لردفان بالإتفاق مع السلطة بصنعاء ليفجر حرب تحرير الجنوب وأن صنعاء دعمت ثورة 14 أكتوبر بالمال والسلاح والرجال وهو ما قاله الرئيس السابق صالح في كلمة له فكتبت مقال أنفي ذلك وقدمت ما يثبت أن صنعاء لم تقدم للجبهة القومية وهي تخوض الكفاح المسلح لتحرير الجنوب ريالاً واحداً أو طلقة رصاص! وهاهم من يحاولون التملق لصنعاء يرددون بأن لبوزة فجر الثورة في 14 أكتوبر بالإتفاق مع صنعاء وأنه أستشهد في نفس اليوم وأن الشعب اليمني جنوباً وشمالاً هب للمشاركة في ثورة 14 أكتوبر (وهذا غير صحيح فلم ينزل شماليون إلى الجنوب للمشاركة في الثورة ومن شارك منهم كانوا قلة قليلة ممن يعيشون بعدن منذ ما قبل الثورة، لكن الجنوبيين تدفقوا بالآلاف على الشمال لإسناد النظام الجمهوري الوليد).
يزعمون بأن ممثل بريطانيا المقيم بالمنطقة المدعو "ميلن" طالب لبوزة بعد عودته ومجموعته من الشمال إلى ردفان بتسليم أسلحته هو وجماعته مع غرامة مالية فرد لبوزة رافضاً ذلك ووضع بجانب الرد طلقة رصاص كتحد للسلطات البريطانية فهاجمته في 14 أكتوبر 1963 فأستشهد فبدأت في ذلك اليوم ثورة تحرير الجنوب، كل ذلك محض أكاذيب وعنتريات لم تحدث، فما الذي حدث فعلاً؟
ما حدث فعلاً هو أن لبوزة ومجموعته عادوا من الشمال إلى ردفان وظلوا لأسابيع ينعمون بحياة هادئة دون أن تتعرض لهم السلطات البريطانية أو الفدرالية، ثم قامت مجموعته بنصب حاجز جمركي على الطريق الرئيسي بردفان المؤدي جنوباً إلى عدن وشمالاً إلى الضالع والجمهورية العربية اليمنية وفرضوا رسوماً غير قانونية على السلع التجارية المارة فقام نائب مشيخة القطيبي (أكبر مشيخات ردفان) الشيخ محمود حسن علي لخرم بإزالة الحاجز وبعدها وتحديداً في 12 أكتوبر 1963 وبينما هو يتجول في المنطقة حاولت مجموعة لبوزة إغتياله فعاد في صباح اليوم التالي 13 أكتوبر مع قوات إتحادية (لا بريطانية مثلما يزعم البعض) أطلقت النيران بكثافة على أماكن مجموعة لبوزة الذي كان قد توارى خلف صخرة فأنفجرت بالقرب منه قذيفة عشوائية وأصيب بإحدى شظاياها وتوفي على الفور.
مما تقدم يتبين أن لبوزة قتل في 13 أكتوبر 1963 وفي معركة لا علاقة لها مطلقاً بموضوع تحرير الجنوب المحتل، لقد قتل قبل أن تبدأ الجبهة القومية ثورة التحرير في 14 أكتوبر 1963.
وهذا دليل قاطع بأنه قتل في 13 أكتوبر 1963
هناك وثيقة رسمية هامة تثبت مقتل لبوزة في 13 أكتوبر 1963م والوثيقة هي البيان الرسمي الصادر في 17 أكتوبر 1963م عن حكومة الاتحاد الفدرالي للجنوب العربي، الذي أذيع ونشر في حينه ويبيِّن الأحداث التي وقعت في ردفان في يومي 12 و13 أكتوبر 1963م، وبيان حكومة الاتحاد نشره وبتحريف العقيد (ربما صار الآن عميداً) محمد عباس ناجي الضالعي في كتاب له طبع بمطابع التوجيه المعنوي للقوات المسلحة بصنعاء في 2002م تحت رعاية الأخ محمد راجح لبوزة نائب رئيس الأركان، وقيادة التوجيه المعنوي ممثلة بمديرها الأخ علي الشاطر ونائبه الأخ يحيى عبدالله السقلدي (حل مؤخراً مكان الشاطر) ، ولم يذكر بالكتاب مكان الطبع حتى لا يُعرف بأن السلطة بصنعاء ورائه، ونشر محمد عباس مراسلات لبوزة المختلقة ليقنع القارئ بحكاوي مطالبة لبوزة بالسلاح والغرامات وأنه رفض ومن ثم هوجم واستشهد في 14 أكتوبر 1967! كما تصرف محمد عباس في محتويات بيان حكومة الاتحاد فحذف منه الجزء الهام الذي في بدايته (الذي أنشر أنا صورة له هنا) ويبين ما جرى في 12 أكتوبر من محاولة لإغتيال الشيخ لخرم وأدى إلى معركة اليوم التالي 13 أكتوبر! فالكتاب أراد أن يكرس في ذهن القارئ بأن المعركة التي قتل فيها لبوزة وقعت في 14 أكتوبر وليس 13 أكتوبر وبالتالي يمكن الزعم بأن لبوزة فجر الثورة في 14 أكتوبر 1963م وبتنسيق مع صنعاء! وقد زعم الكتاب ذلك صراحة بعد أن تم التصرف في محتويات بيان حكومة الاتحاد!
ماذا يقول بيان حكومة الإتحاد؟
يجيئ في البيان ما يلي :
"وكمثال على المشاكل التي يتحتم على النائب محمود أن يواجهها ما حدث يوم السبت 12 أكتوبر الماضي عندما أطلقت على النائب وحرسه أثناء زيارته لوادي مصراح النار من عصابة من أفراد القبائل المرتزقة الذين عادوا مؤخراً من اليمن، وبعد أن صد النائب هذا الهجوم بدون خسائر عاد ورجع في اليوم التالي برفقة فرقة مؤلفة من الجيش والحرس الاتحادي وتعرضت هذه الفرقة لنيران فريقين من رجال العصابات كانا يطلقان النار من مراكز تقع في الجانب الجبلي ويتألفان من 8 و30 رجلا على التوالي وكان هؤلاء بقيادة قائد رجال العصابات الرجعي والمفسد من جبل ردفان وهو راجح غالب لبوزة الذي عاد مؤخراً من اليمن".
ثم يوضح البيان نتيجة تبادل إطلاق النار بالآتي :
"وقد خسر رجال العصابات اثنين منهم كان أحدهما راجح غالب نفسه بينما أُصيب أربعة آخرون ولم تصب القوات الاتحادية بأية خسائر".
تنويه : بيان حكومة الإتحاد نشر برقم 1061 / 63 باللغتين العربية والإنجليزية في نشرة "خدمة صحافة الجنوب العربي" التي كانت تصدرها وزارة الإرشاد القومي والإعلام بعدن.
وهكذا, فإنه بعد أن نشرت هنا ذلك الجزء من البيان, يصير بإمكان القارئ الكريم إذا وجد من يزعم بأن لبوزة فجَّر أو قاد ثورة 14 أكتوبر المجيدة أن يضع أصابعه في عينيه ويقول له "أنت كذاب أو جاهل فلبوزة قتل قبل أن تبدأ ثورة 14 أكتوبر وفي معركة لا علاقة لها بالثورة".
وعلى البعض أن يترك محاولته للإبقاء على تاريخنا الوطني مزيفاً فعندما تناولت هذا الموضوع في المرة السابقة طلع البعض ليرد بأنه لا يعقل أن نترك ما نعرفه منذ عشرات السنين (فعلوا كالكفار لا يريدوا أن يتركوا ما ألفوا عليه آبائهم) وماذا نقول لأولادنا فقد تعلموا بالمدارس أن لبوزة هو مفجر الثورة وقائدها! يعني لا يريدوا تصحيح معلومات ثبت أنها خاطئة! والآن الأخ عبدالله الأصنج يكتب في مقال له في ذكرى الثورة ما يلي "الرواة في اليمن وغيرهم يقرون بأن الشهيد الرمز لثورة الشمال التي سبقت ثورة الجنوب كان البطل علي عبدالمغني يرحمه الله في مجموعة الضباط الأحرار وأن الشهيد الرمز لثورة الجنوب كان البطل راجح لبوزة من جبال ردفان الشماء وللثورتين شهداء آخرون كما يقول المؤرخون والرواة" فأولا هل لا تعلم بأن للثورتين شهداء آخرون إلا لأن المؤرخين والرواة قالوا ذلك بينما أنت كنت زعيماً لجبهة التحرير فكأني بك تنكر وجود شهداء لكم ولكن المؤرخين والرواة يقولون بوجودهم! وثانياً لبوزة لا علاقة له بثورة 14 أكتوبر وأنت تعلم هذا فإذا تريد أحد شهدائها ليكون رمزاً لها فعندك عبدالنبي مدرم وعباس وعبدالقوي وعبود وغيرهم فأختر أحدهم. واضح أنك لا تهتم بما تقوله الحقائق الموثقة وتأخذ بما يحكيه الرواة! فالآن أستشعرت الطابع العام الذي ستكون عليه ذكرياتك المزمع نشرها! وكنت أظن أن الزمن غيّرك!
وهناك مقال للكاتب الأخ نعمان الحكيم نشر في ذكرى 14 أكتوبر أي منذ 3 أيام والمقال بشكل عام جميل، لكن بعض التفاصيل لم ترق لي كباحث وعندي من الحقائق ما يخالفها وأولها قوله "بعد إنتصار ثورة سبتمبر الأم" فكم أوضحت بأنه لا يوجد ثورة أم ولا ثورة بنت خالة كما أن ما حدث في 26 سبتمبر لم يكن أصلاً ثورة ولكن حركة جيش ثورية، و26 سبتمبر لم تقدم للجبهة القومية ريال أو رصاصة فهل هذه أم؟ والفقرة الثانية "كانت الشرارة الأولى في 14 أكتوبر للمناضل الشهيد راجح بن غالب لبوزه .. وأعتقد أن سفر النضال معروف للجميع, ومن العبث أن نعيد سرده بعد خمسين سنه إلا عاماً" طيب ما رأيك يا أخ نعمان أن سفر النضال الذي تقرأ فيه قد تم تحريفه كأسفار التوراة والإنجيل؟ إقرأ مقالي هنا وأنظر للوثيقة المنشورة وبعدها قرر وأنا أدرك بأنك مثقف وأظنك منصف فستقتنع بالحقائق الموثقة ولن تتركها لتقول "ولكن الرواة يقولون لبوزة فجرها".
توضيح : كانت القاهرةوصنعاء ترفضان السماح للجبهة القومية منذ تشكيلها بعام 1963 بالكفاح المسلح حتى لا يفتح لهما البريطانيون جبهة من جهة الجنوب بينما هما لم يستطيعا منع الهجمات من جبهة الشمال المدعومة سعودياً ، وعندما قتل لبوزة لم يكن متواجداً من قادة الجبهة القومية بالشمال غير قحطان الشعبي ونائبه ناصر علوي السقاف (وكان مؤمنا بقحطان ويحبه بشدة حتى أنه قاد عدداً من مشائخ قبائل الجنوب المحاربين بالصف الجمهوري وفرضوا على السلطة تعيين قحطان مديراً لمكتب الجنوب بصنعاء) فأتفقا على عدم تفويت فرصة المعركة التي دارت بردفان ومقتل راجح لبوزة فصاغ قحطان بياناً وأستحسنه السقاف وقام بتوزيعه على السفارات والإذاعات والبيان ألهب حماس أبناء ردفان وكل أبناء الجنوب وذكر عدداً من شهداء الجنوب سقطوا في معارك مع قوات الإحتلال وأعتبر لبوزة شهيداً وحمس أبناء ردفان للثأر له خاصة أن حكومة الإتحاد اعتبرته رجل عصابات مفسد وبشر البيان بقرب ممارسة الكفاح المسلح لتحرير الجنوب (وكان مقرراً من قبل أن تنطلق الثورة في 14 أكتوبر ومن الصبيحة ولكن القاهرةوصنعاء حالتا دون ذلك) وأشعل البيان حماس جماعة لبوزة وبقية قبائل ردفان فأخذوا يهاجمون القوات الإتحادية وقامت قيادة الجبهة القومية (لا تزال قحطان والسقاف فقط، ثم في وسط 1964 بدأ وصول باقي القيادة من الجنوب إلى تعز) بتنظيم المعركة وجعلت من ردفان أول جبهة قتال لتحرير الجنوب وعينت لها قائداً من غير الردفانيين (من دثينة) ثم حلت قوات بريطانية مكان الإتحادية وتمكنت من محاصرة مقاتلي وأهالي ردفان وخمدت الثورة فجمع الشعبي تبرعات من أصدقائه التجار ليمول قافلة محملة بأسلحة وذخائر ومواد غذائية وطبية وسار بنفسه في مقدمتها حتى أوصلها إلى ردفان وقام بتوزيع السلاح أيضاً بنفسه لأنه زعيم حقيقي لا فالصو من هواة النضال من خلف الميكرفونات ويمرضوا لو لم ترفع صورهم، وورائه مقاتلين لا نعاج يطبلون له ويرفعون صورته وينادونه بالزعيم، لقد أهنتم كلمة زعيم فهي لا يتصف بها غير العظماء من قادة التحرر الوطني وهذا بعد أن يحققوا نصراً تاريخياً لشعوبهم، والحق ليس عليكم يا رعاة الحراك (ولن أصفكم بعد الآن بزعماء أو قادة الحراك) بقدر ما هو على من ينقادوا لكم وساكتين عليكم بل ويطبلون لكم عموماً مادامت هذه إرادة جماهيركم فلتتحمل سنوات أخرى من الفشل سنة بعد سنة، وعندما وزع قحطان السلاح في ردفان كتب المندوب السامي البريطاني بعدن تريفاسكيس تقريراً جاء فيه "الجبهة القومية للتحرير قد نفذت كذلك أعمالاً فدائية بالقنابل على مواقع الحرس الإتحادي في ولاية لحج, وقائد الجبهة القومية قحطان محمد الشعبي أشرف بنشاط على عملية توزيع ستة آلاف طلقة من الذخيرة وما لا يقل عن مئة بندقية على أهل ردفان" (أنظر "ثورة 14أكتوبر في الدراسات الأجنبية" ترجمة الرائعين في الترجمة الأستاذين حامد جامع وعبد الكريم الحنكي).
ما أول دعم قدم لمقاتلي ردفان؟ ومن قدمه؟
ولفائدة القارئ المهتم، كانت قافلة الدعم تلك مقدمة باسم الجبهة القومية وهي أول دعم يتلقاه المقاتلون بردفان من جهة رسمية وكان ذلك في يناير 1964 ، وبعد زيارة الرئيس المصري جمال عبدالناصر لليمن في ابريل1964 بدأت مصر في دعم الجبهة القومية، أما أول دعم لردفان على الإطلاق سواء من جهة رسمية أو غير رسمية فكان شخصياً قدمه قحطان عندما أمر المناضل الملازم ثابت علي مكسر المنصوري بنقل خمسة وعشرين ألف طلقة رصاص إلى ردفان لإسناد المقاتلين هناك وذلك من أصل ثلاثين ألف طلقة رصاص كان قحطان قد إشتراها من جيبه الخاص وسلمها للمنصوري لتخزينها في الصبيحة على إعتبار أن حرب تحرير الجنوب ستنطلق من هناك قبل أن يقتل لبوزة وتنتهز قيادة الجبهة القومية تلك الفرصة وتشعل إنتفاضة قبلية بردفان لتحولها سريعاً إلى ثورة مسلحة شاملة لكل الجنوب. (لا يزال المناضل ثابت علي مكسر حياً يرزق ويعيش في بلاده "الفرشة" بأرض الصبيحة وعلمت منذ سنوات بأن نظره ضعف ولأن دولة الوحدة لم تعالجه كف بصره فلا حول ولا قوة إلا بالله).
* فيما تقدم قمت بإثبات أن راجح لبوزة قتل قبل إنطلاق ثورة 14 أكتوبر وفي معركة لا علاقة لها بتحرير الجنوب المحتل، وفي الجزء 2 (الأخير) من هذا المقال سأقدم بإذن الله أدلة تثبت زيف مراسلاته.
تنويه: نزولا عند رغبة الكاتب نعتذر لعدم نشر أي تعليقات حول المقال
__________________