حذّر تقرير يصدر اليوم عن المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس)، وهو مركز أبحاث مرموق في لندن، من أن السياسة التي تعتمدها الدول الغربية لمكافحة الإرهاب في اليمن والصومال تؤدي إلى نتائج معاكسة للأهداف المرجوة منها، إذ أنها تزيد من انتشار التطرف وتُضعف في الوقت عينه حكومتي البلدين
ويدعو التقرير إلى اعتماد "مقاربة مختلفة" للأوضاع في هذين البلدين لا تقوم فقط على منظور "التهديد الأمني" الذي يمثّله تنظيم "القاعدة
وتنظر الدول الغربية منذ سنوات بقلق إلى التطورات الحاصلة في اليمن والصومال والتي يستغلها تنظيم "القاعدة" لمد نفوذه وبناء قواعد تدريب والتخطيط للعمليات، خصوصاً في ما يعرف بـ"المناطق غير الخاضعة لسلطة الحكومة" وهي كثيرة بالطبع في كل من البلدين
ووسّع "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" من نشاطه في اليمن بدءاً من العام 2008 مستغلاً على ما يبدو إنشغال حكومة الرئيس علي عبدالله صالح بتمرد الحوثيين في الشمال وتمرد إنفصاليي "الحراك الجنوبي" في جنوب البلاد
أما في الصومال، فقد تمكنت "حركة الشباب المجاهدين" التي أعلنت هذا العام ولاءها لتنظيم "القاعدة"، من السيطرة على معظم أرجاء جنوب البلاد ووسطها وحصرت الحكومة الانتقالية برئاسة الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد في بضعة أحياء من مقديشو يحميها قرابة سبعة آلاف جندي من قوات السلام الافريقية
وازداد قلق الدول الغربية مما يحصل في البلدين بدءاً من نهاية العام الماضي عندما بدأ "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" يوسّع نشاطه ليشمل استهداف الولايات المتحدة نفسها من خلال إرسال شاب نيجيري لتفجير طائرة ركاب أميركية يوم عيد الميلاد، وكذلك توسيع "حركة الشباب" الصومالية نشاطها إلى أوغندا وهو ما بان عندما تبنّت تفجيرين دمويين في كمبالا استهدف مشجعين كانوا يتابعون على شاشات التلفزيون المباراة النهائية لمونديال جنوب أفريقيا في كرة القدم في تموز (يوليو) الماضي
وسبق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ليون بانيتا أن قال العام الماضي إن الصومال دولة فاشلة. واليمن على وشك أن يصبح كذلك. إن قلقنا هو أن يصبح هذان البلدان ملجأ آمناً للقاعدة
ولذلك، يقوم الأميركيون بجهود في السر والعلن لمنع هذا السيناريو، من خلال تقديم دعم عسكري للحكومة اليمنية ومن خلال المشاركة في استهداف قادة "القاعدة" في الصومال.
لكن تقرير "تشاتهام هاوس" يقول إن هذه السياسة الغربية في البلدين تواجه خطر الفشل. وتقول كاتبتا التقرير الباحثتان سالي هيلي وجيني هيل إن "تنظيم القاعدة" في اليمن و"حركة الشباب" في الصومال نجحا في تقديم صورة لنشاطهما يقوم على أساس مكافحة غياب العدالة، وإن تدخلات الدول الغربية لا تجد حلاً لهذه الحالة (غياب العدالة). وأضافت الباحثتان المعروفتان في الشؤون اليمنية والصومالية: على العكس من ذلك، السياسات الغربية تساهم في إيجاد شعور لدى بعض اليمنيين والصوماليين بأنهم "يتعرضون للهجوم"، وهو ما يدفعهم إلى الراديكالية والعمل المسلح
ويعتبر التقرير الذي يحمل عنوان "اليمن والصومال: الإرهاب، شبكات الظل وحدود بناء الدول"، أن الصومال يوفّر مثالاً لكيف أن "التدخل الأجنبي يُشعل نار التطرف" وكيف أن الدعم الذي تقدّمه الدول الغربية للحكومة الانتقالية الصومالية "يبدو أنه يقلل من الدعم الذي تحظى به في أوساط الشعب". وأشار إلى أن هناك من يعتبر أن مجرّد التدخل الأميركي في شؤون الصومال يمثّل في حد ذاته عنصر عدم الاستقرار، وأن اعتماد سياسة "الإنفصال البنّاء" عن الشؤون الصومالية يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل من سياسة التدخل في شؤون هذا البلد الغرق في الفوضى منذ 20 عاماً
أما بالنسبة إلى اليمن، فقد لاحظ التقرير أن التدخل الأميركي لدعم الحكومة في محاربة تنظيم "القاعدة" يحمل في طيّاته "مخاطر تنفير الرأي العام، ويمكن أن يزيد من عدم الاستقرار من خلال دق إسفين بين الرئيس (علي عبدالله) صالح وبين القبائل، وهو ما يخدم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
وقالت معدتا التقرير إن مقدّمي التبرعات في اليمن والصومال ليس لديهم الكثير للتباهي بما أنجزوه على صعيد بناء مؤسسات الدولة لأن السياسة "الجاهزة" التي يتم اتباعها وتطبيقها لا تتفق مع الواقع الموجود على الأرض في البلدين. وأضافتا أن "السلطة الحقيقية في الصومال، مثلاً، تبقى موزّعة بين عدد من اللاعبين المحليين، في ظل تداخل في الحدود الفاصلة بين العشائر ورجال الأعمال والإسلاميين على اختلاف مشاربهم والجالية الصومالية الكبيرة في المهجر. إن الحكومة الانتقالية ليس لديها أي تأثير على هذه التجمعات (المتعددة) من القوى المختلفة
كذلك لاحظ التقرير أن الحكومة المركزية في اليمن "ما زالت تعمل، ولكن نسبة كبيرة من السلطة يتم نيلها بناء على شبكات غير رسمية من المحسوبيات
ويستخلص التقرير أن "الطريقة التي يحدد فيها المجتمع الدولي المخاطر الكامنة في الصومال واليمن ويعرّف بها الحلول لهذه المخاطر أصبحت بالتالي جزءاً من المشكلة. هناك حاجة إلى نوع مختلف من التحليل من أجل الوصول إلى حل أنجع وأكثر فاعلية. في كل من البلدين، فكرة وجود مناطق لا وجود للحكومة فيها لا تعكس طبيعة عمل السلطات المحلية. وهذا الفهم المغلوط يؤدي إلى افتراض خاطئ يقوم على أساس أن أي مناطق تشهد لامركزية كبيرة في السلطة (المركزية للدولة) تعني تلقائياً توفير مناطق آمنة للإرهابيين. ولكن يمكن المجادلة، على العكس من ذلك، أن وجود صومال مفكك (أو مجزّأ) خاضع لإدارات متعددة يمثّل أحد أكثر الأجواء غير الملائمة لانتشار الجهاد العالمي
ويشير التقرير إلى أن السياسة الغربية في البلدين تؤدي إلى زيادة التطرف في أوساط الشعب بدل التقليل منه. ويضيف: "التطرف ينتشر ليس فقط ضمن حدود هذين البلدين، بل في أوساط الجاليات اليمنية والصومالية الواسعة الانتشار، وحتى في أوساط أشخاص من الأمة الإسلامية في العالم ممن لم يزوروا هذين البلدين أبداً ولكنهم يتأثرون بالدعاية المنتشرة على شبكة الانترنت عما يحصل فيهما. إن جهود التصدي للتطرف لا يمكن أن تنجح إذا كانت استراتيجيات الاحتواء محصورة ضمن حدود اليمن والصومال". ويشدد التقرير على أن السياسة الغربية لبناء الأمن في اليمن والصومال تخلو من "عنصر أساسي" وهو غياب "الشرعية السياسية" و"أنظمة المحاسبة
ويدعو إلى النظر إلى البلدين نظرة "أبعد من الحلول الأمنية الآنية: بدل مزيد من التدريب العسكري ومزيد من الضربات الصاروخية، هناك حاجة إلى إعادة تشكيل جديد للأوضاع السياسية بما يدعم الشبكات المقاومة للإرهاب. إن الجهود الموجّهة من أجل تحقيق مصالحة حقيقية وإنهاء الحرمان السياسي (أي حرمان بعض الأطراف من المشاركة في الحكم) لديها فرصة نجاح أكبر من محاولات فرض نظام جديد للدولة من فوق أو محاولات تعويم المؤسسات الفاشلة
ويؤكد التقرير ضرورة إشراك الدول القوية المجاورة للبلدين في جهود إنقاذهما، لافتاً في موضوع اليمن إلى الدور المهم الممكن أن يلعبه مجلس التعاون الخليجي والمتبرعون العرب في "مجموعة أصدقاء اليمن"، وفي وضع الصومال الدور الممكن أن تلعبه مجموعة التنمية لدول شرق أفريقيا (إيغاد) وقوات السلام التابعة للاتحاد الافريقي