ظهور اليمن السياسي في 1927م لا يعني إحتكار الجهوية بجغرافيتها
بقلم / صالح أحمد البابكري *:
أن عملية توظيف التاريخ وإختزاله في أي بقعه ما من جهوية جغرافية في أي مكانا من العالم يُعد مثار صراعات وخلافات مريرة ومستمرة وذلك أمراً طبيعياً , اذ يسحب ذلك التوظيف ما يفكر فيه ذلك ,,الموظف’’ وبالتالي تقوم الصراعات التي في غالبها تأخذ طابعاً جدلياً لا ينتهي في حدود معينه بذاتها , ويتطور الى صراع ميدانياً تسيل فيه الكثير من الدماء بين الفرقاء المختلفين الذي صنعوا من انفسهم دعاة يسيرون باوطانهم في خطين متضادين ومتوازيين لا يلتقيان ولا يحتكمان الى المنطق ولغة العقل ومصالح شعوبهم وبلدانها إذ تتملك الرغبة الناتجة عن شعور القوة لدى طرف اْو عدة اطراف في التوسع على حساب الاخرين من جيرانه الضعفاء بل يخلقان عداء مستحكم ظناً منهم ان الحجه في اْيدي أحدهم’ والاخر ما هو الا صلفاً وفضاً يؤثر سلوكه هذا على الحقيقة بينما الحق لدى من وظف تراكمات التاريخ وأراد تطويعه بكل أبعاده الزمنية يخدم لحظة وجوده , وهوما يلبي من خلالها رغبة جامحة وشعور بالرغبة في التوسع في مكنونات نفسه على حساب الاْخرين من خلال اختزال الزمن بكل عصوره في هذه الشطحة التي اعترت مخيلته وظن أنه لوهلة سوف يعتصر كل ذلك ويضعه في جيبه ويمضي قدماً دون أن يعترض سبيله أحد .
ياللهول ما هذه الطوباوية التي سيطرت على هذا أو ذاك وجعلته يحلق بعيداً عن الواقع بكل ما فيه من مستجدات وتحولات فرضتها عوامل الزمن عبر القرون وكذلك العهود والعصور وما انتجته من ثقافات سلوكيه ومعيشية في الفكر والوجدان ...
هذا السلوك الذي ظهر عليه القومجيون العرب في عصرنا الحديث خلق الكثير من الشوائب والماْلات التي أنتجت الكثير من الصراعات في أمتنا العربية وزادتها انقساماً عوضاً على أن تنتج واقعاً يحاكي ظروفه الزمنية حتى يتم العبور من خلاله تلك الظروف الى المستقبل برؤية مدروسة مستشرفة المستقبل بخطى متوازنة , اخذة في طريقها العبر من اخفاقات الماضي للأمة وليس لجغرافية محدودة بعينها من الوطن العربي بل اجتاحت هذه الطوباوية إن صح التعبير , كل جغرافية الامة وما يحدث في الجهوية اليمانية الا جزءا من الكل دون ان نعرج على التوظيف الخارجي المستخدم بأدوات داخلية إذ اصبح المواطن العربي يدركها بكل توجهاتها لحجب مساره عن مصيره .
وظهر التوظيف السياسي المسمى,, يمن’’ في عصر ظهور الدولة الاوسانية من الدول العربية الجنوبية والتي خاضت صراعاً مع شقيقاتها الجنوبيات وقد أشرنا سلفاً في تناولات سابقة ان اوسان أسمت نفسها,,أوسان يمنات’’ وتعني بلغة العرب الجنوبيون القديمة , أوسان الجنوبية اي ان يمنات تعني جنوب وقد أنتهت أوسان على يدي دولة سباْ الارامية الوليدة لدولة معين الارامية , وبعد سيطرة دولة سبباْ الارامية على العرب الجنوبيون وكذلك العرب الشماليون , أي كل شبه الجزيرة العربية كافة’ عاد ظهور العرب الجنوبيون من خلال مؤتمرهم الشهير في وسط أرض حضرموت الكُبرى في شبام وهو ما سمي (حميرم ) , ويعني اتحاد أتحدت فيه كل قبائل العرب الجنوبيون تتقدمهم حمير بحضارتها وتحضرها وجبروتها وكذلك كنده بفرسانها وملوكها وساداتها وأنبثق عن ذلك المؤتمر تنصيب التُبع ياسر يهنعم الريداني الحميري ملك الملوك على العرب الجنوبيون وتُبع تعني ملك ملوك بلغة العرب الجنوبيون القديمة , وأعلنت الحرب الشاملة على دولة سباْ الارامية وأحلافها من العرب العملاء , وفي (115) قبل الميلاد كان للجنوب العربي ما أراده وقام من اجله وقاد الحروب لنيله أنتهاء عصر سباْ وبدأ عصر دولة حمير الكُبرى بقيادة التُبع ياسر يهنعم الاول .
وبعد أن سيطر العرب الجنوبيون على جزيرتهم العربية ونقلوا الحضارة الى الهضاب الشمالية الغربية وهي المسماه في عصرنا الحديث (اليمن ) كما شيدوا عاصمةً لهم جديدة وهي ظفار الغرب , اذ ظفار الشرق تقع اليوم في سلطنة عُمان , وبما أن الحضارة نقلت الى الهضاب الشمالية الغربية للجنوب العربي وكذلك الادارة السياسية سمي هذا المكان المشار اليه في الاعلى باليمن مجازاوليس سياسياً وذلك كان بسبب نقل الحضارة اليه وتبعتها التجارة والادارة , وبذلك ظهر مفهوم اليمن جهوياً ولم يكن سياسياً إلا في العصر الحديث هذا وتحديدا عام1927م .
والى اللقاء ان شاء الله قريباً .
4ديسمبر2014م
*كاتب سياسي وباحث في التاريخ