يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن إدانته الشديدة لأعمال القصف المدفعي من جانب قوات الجيش اليمنى والتى ألحقت أضراراً فادحة بالسكان الأبرياء فى مديرية لودر بمحافظة أبين جنوب اليمن.
ويلاحظ مركز القاهرة بقلق عميق أن أعمال القصف التى تواصلت لنحو أسبوع، وشاركت فيها المدفعية والدبابات، قد دفعت بالمئات من الأسر اليمنية إلى هجرة "لودر"، والاحتماء بالجبال فى الوقت الذى تواصل فيه السلطات تطويق المديرية بحصار عسكرى يغلق مداخلها ومخارجها.
وفى حدود المعلومات المتاحة من منظمات حقوق الإنسان اليمنية ومصادر أخرى، فإن أعمال القصف قد طالت سوقاً شعبيا، وألحقت أضراراً فادحة بالعديد من المنازل والأراضى الزراعية وبإحدى رياض الأطفال، فضلاً عما أفضت إليه من سقوط ما لا يقل عن ثلاثة قتلى مدنيين وإصابة عشرات آخرين بينهم طفلين على الأقل.
وقد جاء هذا الهجوم فى أعقاب سقوط عدد من الجنود اليمنيين خلال كمائن منصوبة من قبل عناصر، تزعم السلطات اليمنية أنهم قد يكونوا من تنظيم "القاعدة"، أو من عناصر منخرطة فى الحراك الجنوبى.
بينما يقول مسئولون يمنيون جنوبيون في المنفى وقيادات الحراك الجنوبي في داخل اليمن، أنها عملية مفتعلة لتصفية الحساب مع الحراك الشعبي في جنوب اليمن، واستعداء المجتمع الدولي ضد هذا الحراك السلمي، بوضعه في سلة واحدة مع الإرهاب.
يذكر أن النظام اليمني كان قد استخدم المقاتلين اليمنيين العائدين من أفغانستان في مقاتلة التمرد الذي حدث في جنوب اليمن في عام 1994. ومنذ ذلك الحين بدأت تؤسس "القاعدة" قاعدتها، التي صارت فيما بعد الأكبر في العالم العربي.
جدير بالذكر أن السلطات اليمنية تسعى دوماً لوصم أعمال الاحتجاج الشعبي في جنوب اليمن والحراك الجنوبى الذي يقودها بالإرهاب، فى محاولتها لتبرير الاستخدام المفرط للقوة وأشكال القمع المتزايد للمواطنين في المحافظات الجنوبية.
وينوه مركز القاهرة إلى أن محافظة أبين الجنوبية كانت هدفاً لسلسلة من الاعتداءات الوحشية خلال العام الأخير، وربما كان أكثر دموية فى ديسمبر الماضى، عندما شن الجيش اليمنى –بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية– غارتين على ما اعتبر مواقع لمعسكرات لتنظيم "القاعدة". وقد أفضت هاتين الغارتين إلى مصرع ما لا يقل عن 42 من السكان الأبرياء معظمهم من النساء والأطفال.
ويشدد مركز القاهرة على أن مكافحة الإرهاب وملاحقة تنظيم "القاعدة" لا ينبغى أن تكون مسوغاً لأن يغض المجتمع الدولى الطرف عن الانتهاكات الجسيمة التى ترتكبها الحكومة اليمنية بحق منتسبين محتملين لتنظيم "القاعدة"، أو بحق خصومها السياسيين أو بحق أقسام واسعة من السكان، باتوا هدفاً لأنماط شتى من العقاب الجماعى فى ظل سياسات العسكرة والاحتراب الأهلى التى يذكيها النظام اليمنى لتأمين احتكاره الأبدى للسلطة في صعدة في الشمال، وفي الجنوب.
وينوه مركز القاهرة فى هذا السياق بأن هذه السياسات هى التى هيأت الساحة اليمنية لكى تصبح مرتكزاً لتنظيم "القاعدة" فى الجزيرة العربية، وساعدت على تهيئة بيئة أفضل لتجنيد مزيد من الإرهابيين والمتعاطفين معهم، من داخل اليمن وأيضا من خارجه.
ويحذر مركز القاهرة من أن الدعم غير المشروط الذى يلقاه النظام اليمنى من قبل الإدارة الأمريكية وبعض أطراف الإتحاد الأوروبى، من شأنه أن يفاقم من مخاطر الإرهاب الذى يكتسب فى صفوفه يوماً بعد آخر أنصاراً جدد، مدفوعين بتفاقم الشعور بالظلم والغبن المتزايد، التى يغذيها بصورة شبه يومية مشاهد القتل خارج نطاق القانون، والاختطاف والاختفاء القسرى والتعذيب، وقمع الاحتجاجات السلمية، ومحاولات إخراس أصوات الصحافة والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتعاظم سياسات الإقصاء السياسى والتهميش الإقتصادى والإجتماعى لقطاعات واسعة من السكان، واستشراء الفساد، فضلا عن انتشار وتجذر الخطاب الديني المتطرف برعاية النظام اليمني الحاكم.
ويؤكد مركز القاهرة أن قطع الطريق على المخاطر والتهديدات الإرهابية، يتطلب جهوداً جبارة من جانب المجتمع الدولى، لدفع اليمن دفعاً باتجاه بناء دولة القانون، ومنع الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتبني خطاب ديني مستنير، ورفض التضحية بحقوق الإنسان بذريعة مكافحة الإرهاب.
ويتعين على حلفاء اليمن في مكافحة الإرهاب أن يضمنوا ألا تستخدم المساعدات العسكرية والأمنية والمالية التى يجرى تقديمها للحكومة اليمنية فى ارتكاب مزيد من جرائم الحرب، والانتهاكات بحق المشتبه فى انتمائهم التنظيم "القاعدة"، وبحق الآلاف من الأشخاص الذين يدفعون الثمن الفادح للسياسات الكارثية للنظام اليمنى، التى تنذر بتقويض كيان الدولة المركزية.