[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]27.ديسمبر كانون الأول.2010
ضلت القضية الجنوبية ولازالت هي الحدث الابرز على مستوى الساحة حيث تسيدت المشهد السياسي بامتياز ولم تعرف الهيئات الرسمية والحزبية والجماهيرية قضية بهذا الحجم منذ قرون خلت اخذ الجدل فيها ولازال حيزا واسع من حياة كل المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي ليس هذا فحسب ولكنها باتت حاضر في كل بيت في الجنوب ولانبالغ اذا ماقلنا بان اطفال الجنوب دون سن الثالثة أصبحوا يرددون يوميا ثلاثة كلمات بابا ماما جنوب وهذا هو انعكاس حقيقي للبيئة التي يعيشون فيها المعجون اهلها بحب الجنوب والشغوفون بالتضاهرات والاحتجاجات السلمية كيف لا يكونون كذلك وهم منذ اربع سنوات لاتوجد اسرة الا وحل احدافرادها نزيلا في احد المعتقلات ان لم يكن شهيدا اوجريحا اومطلوبا امنيا اوملاحقا ضمن قوائم الملاحقات الجماعية لقيادات ونشطاء
الحراك السلمي.
ان التصعيد الخطير الذي أقدمت عليه السلطة في المحافظات الجنوب منذ مارس الماضي قد اخذ اشكال عديدة فبالاضافة إلى قمع الفعاليات الاحتجاجية لجاءت إلى استخدام شتى صنوف التنكيل بأبناء الجنوب حيث تم محاصره بعض المحافظات ناهيك عن اعمال القتل والملاحقات والمطاردات والعقاب الجماعي المتمثل بقطع امدادات التموين بالمواد الغذائية والغاز والوقود , و قطع خدمات الهاتف واستهداف المدن والقرى كماحدث لمدينه الضالع وجعلها عرضه للنيران المواقع العسكرية ورجال الأمن الذين يتمترسون على أسطح بعض المرافق والمباني والقيام بأعمال القنص وما حدث في مديرية لودرالتي تعرضت للقصف المدفعي والصاروخي وتشريد الاسربحجة محاربة تنظيم القاعده المعروف للقاصي والداني بانه صناعة سلطويه بامتياز وماسبقها من جريمه بشعه في المعجله التي تعرضت لضربه جويه تحت شماعة القاعده وراح ضحيتها المئات من النساء والاطفال وكذلك الحال ماتعرضت له حوطه شبوه وردفان من جرائم وانتهاكات ويأتي ذلك مع اصدار احكام جائرة بحق نشطاء وقيادات الحراك ولا زالت المحاكمات مستمرة للبعض الآخر منهم.
كل هذه الأعمال لا تزيد الأمور الا تعقيدا وعلى السلطة ان تعرف جيدا بان القضية الجنوبية لا يمكن حلها بالقوة وان معالجة الأوضاع في الجنوب بالطرق القديمة كشراء الذمم بتوزيع السيارات والمناصب وغيرها من وسائل الترهيب والترغيب قد أثبتت فشلها ولم تسطع ان تخمد جذوة الحراك الذي انهى عامه الرابع بنجاح منقطع النظير ، تحققت خلالها الكثير من النجاحات على صعيد القضية الجنوبية ونستطيع القول بأن الحراك الجنوبي أو ثورة الكرامة الجنوبية كما يحلو للبعض تسميته لم يعد ذلك الحراك الذي بدأ بالمطالبة بالحقوق المالية والوظيفية لآلاف المتقاعدين ، فالحراك الذي كسر حاجز الخوف أصبح له شهداء وجرحى ومعتقلين وملاحقين وكل يوم يمر تتضاعف الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها السلطة بحق الفعاليات الاحتجاجية في الجنوب فخلال عام 2009م بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا في التظاهرات [ 38 ] شهيد و [ 52 ] جريح و [ 2200 ] معتقل وقد رافق تلك لتضحيات اهتمام إعلامي غير مسبوق وأصبحت القضية الجنوبية حقيقية ساطعة كسطوع الشمس في كبد السماء لا يستطيع أحد تجاوزها أو القفز عليها وهي في طريقها إلى التدويل وقد تمكن الحراك الجنوبي أن يضعها على الطاولة ، إلا أنه وللأسف الشديد لم يستطع البعض من السياسيين والمثقفين أن يواكبوا ذلك التطور الذي شهده الحراك الذي تتسع قاعدته كل يوم ولم يعد المتقاعدين لوحدهم هم جمهور الحراك فهناك التفاف شعبي واسع حول الحراك من مختلف المشارب والانتماءات السياسية والاجتماعية لكافة ألوان الطيف الجنوبي وصار للحراك جيل ثاني وثالث فمعظم إن لم يكن جل من سقطوا شهداء وجرحى خلال الاربع السنوات الماضية هم من الشباب.
إن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية هي نتاج طبيعي لحرب 1994م لا يساعد على حل القضية لأن القضية الجنوبية التي كان للحراك شرف إظهارها وجعلها حية في أروقة الدول والتجمعات والهيئات الدولية والإقليمية لا يمكن حلها بإزالة آثار حرب 94م لأن حرب 94م هي نتاج طبيعي لفشل الوحدة ، ومما يؤسف له أن الاعتقاد الخاطئ بأن القضية الجنوبية كانت نتاج لحرب 94م هذه الحرب التي تعد بحد ذاتها نتيجة وليست سبب لم يقتصر على البعض المثقفين والنخب بل تعززت تلك القناعة لدى أحزاب المشترك حيث وردت الفقرة التالية في رؤية الإنقاذ الوطني للجنة التحضيرية للحوار الوطني: (( إن الدافع الحقيقي لبروز القضية الجنوبية يكمن في النتائج والآثار المترتبة عن حرب 1994م )) وهذا توصيف خاطئ لأن فشل الوحدة هو الذي أدى إلى حرب 1994م وطرح كهذا يجعل لجنة الحوار تحلق على القضية الجنوبية ولا تغوص في أعماقها وبالتالي يستحيل إيجاد حلول للقضية الجنوبية دون العودة إلى جذر المشكلة أي فشل الوحدة.
جذر المشكلة
إن الظروف التي أحاطت بسرعة إعلان قيام الوحدة دون سابق إعداد وتحضير مكتمل لها وما رافق مرجعياتها السياسية والقانونية من أخطاء وتشوهات ونواقص كبير وما أعقبها من سياسات خاطئة أوصلت الوحدة إلى طريق مسدود وقد تجلى ذلك بوضوح في عدم تحقيق الاندماج الكامل بين مؤسسات الدولتين في المرحلة الانتقالية.
ويمكننا القول بأن جذور القضية الجنوبية تعود إلى ما قبل الوحدة وتحديداً إلى بدايات الاتفاق حول الوحدة إذ أن هذه الاتفاقيات والنقاشات والحوارات التي دارت أثناءها تجاهلت في مجملها كثيراً من الحقائق على الأرض بل أنها أسست لكل الغبن والضيم الذي لحق بالجنوب والجنوبيين فيما بعد ، حيث ان هذه الحوارات قد أغفلت الجانب الأهم الذي نراه من وجهة نظرنا ألا وهو البعد الثقافي الذي يعد أهم المنطلقات التي كان الأجدر بالمتحاورين إعطاءه الجانب الأكبر من الدراسة والاهتمام.
فالمنطق السليم وتجارب الشعوب تؤكد استحالة الاندماج بين كيانين غير متجانسين بل ينتميان إلى مرحلتين تاريخيتين مختلفتين وينطلقان كذلك من موروثين ثقافيين قلما يجتمعان في قالب واحد فعلى سبيل المثال نجد بأن الأطباء الاختصاصيين بزراعة الكلى يحرصون بأن يكون المتبرع بكليته لشخص آخر من الأقارب لضمان نجاح تعايش العضو الجديد الذي زرع في جسد المريض مع بقية أجزاء الجسد دون مشاكل.
وعودة إلى الحديث عند البعد الثقافي نجد أن المورث الثقافي السائد في الشمال والذي بني عليه النظام هناك عقيدته السياسية يكرس المفهوم القبلي ويغذي روح التملك والاحتواء وتمجيد الرمز القبلي والعسكري ومنطق القوة مع عدم قدرة الشريحة المثقفة من العمل بإيجابية لتغيير هذا المفهوم ، وخلافاً لذلك نجد أن الموروث الثقافي في الجنوب ونتيجة لعوامل عدة أهمها الاحتكاك بالثقافات والمجتمعات الأخرى والاستفادة من تجارب الشعوب، هذا إضافة إلى أن الحكم الاستعماري البريطاني قد أوجد نواة لبنية تحتية تقود بالضرورة لتأسيس مجتمع مدني من خلال إنشاء المحاكم والإدارات الحكومية الحديثة وأيضاً ما حرصت عليه دولة الاستقلال من ترسيخ لهذه القوانين وجعل الحداثة هي روح المجتمع الجديد بعد الاستقلال كما أن افتتاح الجامعة وعدد لا يستهان به من المعاهد العلمية في مختلف المجالات والانتشار المكثف للمدارس ليس في المدن فقط بل كل الريف الجنوبي وفرض إلزامية ومجانية التعليم الابتدائي والثانوي ومجانية التعليم الجامعي ومجانية التطبيب وكفالة حق العمل لكل مواطن وإنشاء مؤسسات القطاع العام والحكومي أعطى للثقافة الجنوبية دافعاً آخر للتمسك بمفهوم الحداثة والتمدن وهو ما يجعل صعوبة تلاقي الثقافتين بالسرعة التي جرت بها خطوات إعلان الوحدة مما يوجد بالضرورة بروز خلاف في رحم التجربة الوحدوية المزمع إقامتها وهو ما ظهر جلياً عند قيامها فيما بعد.
من ناحية أخرى كان العطاء والأعباء من نصيب الجنوب فمساهمة الجنوب في الوحدة لم تقتصر على الأرض والثروة فقط ولكنه تنازل عن أمور سيادية مهمة مثل العاصمة والرئاسة والنظام المالي والإداري وإذا أضيف لها أن قانون الانتخابات بوضعه الحالي قد قضى على ما تبقى من آمال للجنوبيين في صيانة مكتسباتهم أو حتى الدفاع عنها والدفاع عن حقوقهم في ظل ميزان مختل [ 56 مقعد للجنوب مقابل 245 مقعد للشمال في البرلمان ] وانتهاج معيار السكان أساس وحيد لحساب وتوزيع المقاعد النيابية متناسين حسابات ومعايير الجغرافيا والتاريخ والثروة وقبل كل ذلك أساس الوحدة ألا وهو الشراكة كل هذه المعاير كانت في الأساس لمصلحه الشمال أي تم وضع كل مفاتيح التحكم بيد طرف واحد.
إذا كان الشعب قد أستبعد في الأساس من خلال عدم استفتائه على الوحدة كما كان مقرراً فقد جاءت حرب 1994م لاستبعاد الجنوب ليس من شراكة الدولة فحسب بل جرى استبعاده من شراكة السلطة ليخرج الجنوب بالكامل من المعادلة وبالتالي تم القضاء على الوحدة وتحول الجنوب الأرض والإنسان إلى ساحة مستباحة وتحول معها الوضع من وحدة إلى احتلال.
وانطلاقاً من ذلك الموروث الثقافي تعد حرب صيف 1994م وما تلاها من إجراءات تجسيداً حقيقياً لهذا الموروث ويتجلى ذلك بوضوح وظهور إفرازاته في الوحدة المعمدة بالدم وعودة الفرع إلى الأصل وغيرها من نتائج كارثية شملت إقصاء وتسريح الموظفين الجنوبيين وتسريح الجيش الجنوبي والأمن الجنوبي وتغيير المناهج الدراسية بما يكرس المفاهيم الجديدة للمشروع القبلي والمشروع العائلي الحالي ، كما جرى الاستيلاء بالقوة على المكونات المادية لدولة الجنوب من منشآت ومصانع وأراضي وتفكيك وبيع القطاع العام وغيرها من الممارسات والسلوكيات الضارة يؤكد تكريس الأمر الواقع وحرمان الجنوبيين من حقوقهم المشروعة كشركاء أساسيين في الوحدة.
وأمام وضع كهذا كان طبيعياً أن الجنوبيين لن يلزموا مقاعد المتفرجين وسيدافعون عن حقوقهم بكافة الوسائل السلميه الممكنة.
فشل مشروع الوحدة
إن تراكمات النضال الوطني للحركة الوطنية اليمنية قد أدت إلى إعلان الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية سليمة فقامت الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م باتفاق دولتي الشطرين بقيادة كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني . وبدعم وتأييد كافة فئات الشعب وتنظيماته وشخصياته الوطنية الأخرى .وشكل ارتباط إعلان الوحدة بالديمقراطية كخيار لتطور النظام السياسي في اليمن الموحد عنوانا لانعطاف جديد في تاريخ الشعب .
لقد حددت اتفاقيات الوحدة عددا من المهام التي يمكن إنجازها خلال المرحلة الانتقالية لتحقيق الاندماج الكامل لمؤسسات الشطرين وتذويبها في الدولة الديمقراطية الحديثة التي كانت تعلق عليها آمال عريضة من قبل كافة فئات الشعب إلا انه وللأسف الشديد لم يتم ذلك وفشل شريكا الوحدة في انجاز مهام المرحلة الانتقالية ، هذا الفشل كان اعلانا صريحا لفشلا مشروع الوحدة فلم تمر على الوحدة سوى بضعة أشهر إلا وبدأت بوادر الأزمة بين شريكي الوحدة في الظهور وعلى وجه الخصوص مع نشوب حرب الخليج الثانية والتي تم فيها احتلال العراق للكويت وما نتج عنها من صعوبات ومشاكل اقتصادية جمة تعرضت لها البلاد بعودة المغتريبن اليمنيين من دول الخليج ، هذا القرار جاء كرد فعل على السياسة الخاطئة التي انتهجتها الجمهورية اليمنية في الموقف من احتلال العراق للكويت.
ففي الوقت الذي كان فيها على عبدالله صالح وأركان نظامه السابق يؤيدون صدام حسين ويكيفون السياسة الخارجية وفقا لهذه القناعة كان علي سالم البيض والحزب الاشتراكي اليمني لهم موقف مغاير حين كانوا يقفون إلى جانب الشعب الكويتي ويرفضون احتلال أي بلد من قبل بلد آخر .
لقد كانت الفرصة مواتية لشريكي الوحدة للاستفادة من حجم التأييد الجماهيري الواسع الذي أظهرته عملية الاستفتاء على الدستور لإيجاد آلية وأسس متينة لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة النظام والقانون.
إن قيام دولة الوحدة الديمقراطية الحديثة قد مثل هدفا رئيسيا لجميع القوى السياسية والفئات الاجتماعية حاملة المشروع النهضوي الحديث، غير أن هذه المهمة اصطدمت بالعديد من الكوابح على المستوى الوطني منها سيطرة تحالف القوى التقليدية والطفيلية على جهاز الدولة الذي تم تسخيره لخدمة هذا التحالف المتناقض مع مصالح غالبية الشعب كما اصطدمت هذه المهمة بعدد من العراقيل المرتبطة بالاختلاف الاقتصادي والاجتماعي بين أجزاء البلاد واختلاط المفاهيم المعاصرة المختلفة حول الدولة والمواطنة وضعف الموروث الديمقراطي والاستسلام المتوارث لمفهوم غلبة القوة على الحق والخضوع لحكم الفرد والتناقض المستمر بين النص الدستوري والقانوني وبين الممارسات في الواقع المعاش .
ففي الوقت الذي دخل فيها الجنوب الوحدة الذي كان يعتبرها وسيلة للالتحاق بركب التطور والرقي وفرصة مواتية لتوفير حياة كريمة للمواطن الذي ظل يحلم بالوحدة ويعتبرها ملاذه الأول والأخير . وكان يحذوها الأمل في بناء دولة المؤسسات دولة النظام والقانون دولة عنوانها الحرية والعداله والمساواه المرتكزه على الأمن والاستقرار والتقدم والرقي والعيش الرغيد .
كانت القوى التقليدية في الشمال تعتبر الوحدة غاية تم فيها إعادة الفرع إلى الأصل وبالتالي حرص على إبقاء الأوضاع على ما هي عليها، و أخذت الأزمة بين شريكي الوحدة في الاتساع وبشكل متسارع وعلى وجه الخصوص عند تعرض العشرات من كوادر الحزب للاغتيال واستهداف قياداته التي طالت ال...آر..بي...جي منازلهم، وكانت هذه الأعمال هي البدايات الأولى للالتفاف على اتفاقيات الوحدة وتجميد العمل لبعض مواد الدستور حيث ظل الجيش جيشين والأمن مؤسستين والعملة عملتين والتعليم نظامين ، وتم فرض النظام المالي والإداري للجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئه خلافا لاتفاقيات الوحدة التي نصت على الأخذ بما هو أفضل من تجربة النظامين ، وجرى تشويه سمعة الاشتراكي وتسفيه تجربة حكمه للجنوب وتم تأليب خصومه السابقين من خلال استدعاء الصراعات التي شهدها الجنوب قبل الوحدة ، ورافق ذلك إيواء الجماعات الإرهابية المتطرفة العائدة من أفغانستان ( الأفغان اليمنيين والأفغان العرب ) واستخدامهم ضد شريك الوحدة كما شهدت الوحدات العسكرية حملة تحريضية واسعة ضد الاشتراكي بوجه خاص وسكان الجنوب بوجه عام حيث تم التعامل مع الجنوب كدار كفر .
خلاصة القول كانت هناك قوى ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح ومعه المؤتمر الشعبي العام والتحالف القبلي قادرة على تغيير شكل دولة الوحدة بما يلبي آمال وتطلعات الجماهير وتؤدي إلى تحسين المستوى المعيشي والاجتماعي وغيره من المجالات لغالبية الشعب ... نعم، قادرة ولكنها لاترغب . وقوى أخرى ممثلة بعلي سالم البيض ومعه الحزب الاشتراكي اليمني وكافة قوى التحديث ترغب في بناء الدولة ولكنها غير قادرة.
إن الفشل الذر يع الذي منيت به المرحلة الانتقالية في انجاز وبناء دولة الوحدة دفع شريكي الوحدة إلى تمديد المرحلة الانتقالية ستة أشهر وهذه المدة لم تكن كافية لتنقية الشوائب العالقة في جسد الوحدة.
وجاءت انتخابات 1993م وتزداد معها الأمور تعقيدا ووصلت الأزمة ذروتها بمنع حيدر العطاس رئيس الوزراء آنذاك من دخول صنعاء . وقد مثلت هذه الحادثة بمثابة إعلان الانفصال من قبل الشمال الذي كان يستعد للحرب ومهد لها بشكل واضح حيث تم إعلان الحرب من قبل الرئيس علي عبدالله صالح من ميدان السبعين في 27 أبريل 94م ولكون الجنوب كان ساحة لتلك الحرب العدوانية الظالمة فقد تعرض للاجتياح العسكري في 7/7 / 1994م وكان هذا الاجتياح وما رافقه من سلب ونهب حولت الجنوب إلى غنيمة حرب.
الاثار التدميريه لحرب 94م
ان حرب صيف 94م العدوانية الظالمة قد خلفت آثار تدميرية وكارثية ألقت بكاهلها على أبناء الجنوب فهذه الحرب قد أوجدت منتصر ومهزوم منتصر تعامل مع الجنوب كغنيمة حرب فوجد الفرصة سانحة لتمدد المساحة الجغرافية للجمهورية العربية اليمنية وعمل على نهب الثروة واستباحة الأرض وطمس الهوية وتزوير التاريخ وتعامل مع الجنوبيين بالغه المنتصر وراح يتحدث عن عوده الفرع الى الأصل وعن الثورة الأم والثورة البنت والوحدة المعمدة بالدم ولا يفوت مناسبة إلا ويذكر المهزوم بهذه الحرب وينتشي بانتصاره وينعت القيادات الجنوبية بنعوت الخيانة والانفصال بل يذهب الى أكثر من ذلك بنعت الجنوبيين دون استثناء بنعوت شتى ويسفه تاريخهم ويمكن القول ان الأوضاع بعد حرب 94م لا تمت للوحدة بصله فنظام الجمهورية العربية اليمنية الذي تم أعادت إنتاجه جعل الوحدة مغيبة في الجنوب وعزز تواجد الجمهورية العربية اليمنية بقوه فهي حاضره في الاحتفال ب17 يوليو يوم تسلم علي عبدالله صالح مقاليد الحكم في الجمهورية العربية اليمنية حيث يجري الاحتفال بها وبشكل رسمي كمناسبة وطنية وحاضره بالحرس الجمهوري والأمن المركزي وبعمله الريال وحاضره بعسكره الحياة المدنية والانفلات الأمني وبنظام الرهائن والثار والاقتتال القبلي وحاضره بالرشوة والفساد لقد أظهرت نتائج حرب 1994م بأنه لم تكن تستهدف الحزب الاشتراكي اليمني وإقصائه من السلطة وإخراجه من مسرح الحياة السياسية فحسب بل استهدفت الجنوب الأرض والإنسان والثروة واتضح جليا بأن السلطة 7 يوليو أرادت من الوحدة الأرض والثروة دون الإنسان فما تشهده المحافظات الجنوبية من أعمال سلب ونهب للمرافق الحكومية والبسط على أراضي المواطنين وتسريح عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين من أعمالهم قسرا وتدمير الأشكال الاقتصادية التي كانت قائمة في الجنوب والاستيلاء على ممتلكاتها وخصخصة القطاع العام وطرد العاملين من مصانعهم وصرف الأراضي لغير أبنائها والنهب المنظم للثروة وتزوير التاريخ وطمس الهوية وسرقة الآثار وتهريبها واستبدال الثقافة ، وتخلت الدولة عن القيام بواجباتها تجاه سكان الجنوب الذين خسروا الدولة وخسروا معها حقوقهم المكتسبة كالنظام والقانون والتعليم المجاني وتوفير وسائل النقل لطلاب المرحلة الابتدائية والسكن والتغذية للمرحلتين الثانوية والجامعية كما خسر العلاج المجاني وتوفير السكن والوظيفة والأمن الغذائي وتم القضاء على المنجزات التي تحققت لشعب الجنوب قبل الوحدة حتى المنجز الذي كان يفخر به أبناء الجنوب المتمثل بالقضاء على الفقر والجهل والمرض تم تدميره هو الآخر وعادت هذه الآفات بأبشع صورها وارتفعت نسبة الأمية والبطالة وتفشي الأمراض والأوبئة .
ماذا يجري في الجنوب
ومع استمرار تهميش وإقصاء الجنوب وإلغاء شراكته شعر الجنوبيين بأنه لا مجال للصمت فقد مضى عقدا ونيف على حرب 94م العدوانية الظالمة وهم يشاهدون بأم أعينهم دولتهم تتدمر وتاريخهم يزور وثرواتهم تنهب وأرضهم تستباح وحقوقهم تغتصب وهويتهم تطمس وثقافتهم تستبدل وآثارهم تسرق وتهرب وكل يوم يمر تزداد الأوضاع سوءا فقرروا الخروج عن دائرة الصمت والانخراط في الحركة الاحتجاجية السلمية التي يشهدها الجنوب منذ مارس 2007م وكان هذا الحراك السياسي تتنامى وتيرته يوما عن يوم متخذا الاعتصامات والمسيرات السلمية والمهرجانات وكانت طليعة هذا الحراك هي جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين التي كانت تتولى الدعوة إلى هذه الفعاليات من منطلق ممارسة النضال السلمي الذي كفله الدستور والقوانين والتي تعد الإعتصامات والمسيرات والمهرجانات أحد أشكال هذاالنظال ، وخلال فترة زمنية قياسية ليشمل كل فئات المجتمع وتصاعدت وتيرة الحركة الاحتجاجية بشكل غير مسبق.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه جمعية المتقاعدين في محافظة الضالع في أول مهرجان لها في مارس 2007 بدء الاعتصام المفتوح ، هذا الاعتصام الذي حظي بالتفاف جماهيري واسع ، كانت المحافظات الجنوبية الأخرى قد بدأت بتشكيل جمعيات المتقاعدين الواحدة تلو الأخرى ولم تمض على أول فعالية احتجاجية سوى بضعة أشهر إلا وأعلن عن تشكيل مجلس تنسيق جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين هذا المجلس الذي ترأسه العميد الركن ناصر النوبة بدأ بتنفيذ أول فعالية مركزية للمحافظات السبع التي تشكل منها المجلس في السابع من يوليو 2007م في ساحة الحرية بحي حور مكسر نجح نجاحا كبيرا بالحضور المميز للمتقاعدين من المهرة إلى الضالع والتضامن الواسع من قبل الفئات والشرائح السياسية والاجتماعية الأخرى وقد شكلت الفعالية الاحتجاجية التي شهدتها محافظة عدن منعطفا جديدا حيث بدأت وسائل الإعلام المحلية بتغطية الفعاليات التي تنفذها الجمعيات قي بعض المحافظات وجرى التركيز والاهتمام بما أطلق عليه حركة المتقاعدين وقد ساعد في ذلك إقدام السلطة على منع إقامة فعالية الثاني من أغسطس في ساحة الحرية بخور مكسر وأقيمت الفعالية في ساحة الهاشمي وقد أدى التعامل الهمجي من قبل أجهزة الأمن التي واجهت الفعاليات السلمية بالرصاص الحي وسقوط الشهداء والجرحى واعتقال المئات إلى اتساع شعبية حركة المتقاعدين كما أدى إلى تشكيل أشكال جديدة لمناهضة الأوضاع القائمة ومن هذه الأشكال جمعية شباب بلاعمل وجمعية مناضلي الثورة وأسر الشهداء وجمعية الأكاديميين المهمشين والدبلوماسيين المتقاعدين .
بدأ الخطاب الإعلامي يرتفع تدريجيا بالمطالبة ببعض الحقوق مثل إعادة من سرحوا خلافا للقانون إلى تسوية الأوضاع والترقيات ورفع الرواتب إلى الشراكة في السلطة والثروة ومع دخول أشكال جديدة أرضية الملعب واستكمال تشكيل هيئات ملتقيات التصالح والتسامح في المحافظات التي تحولت في ما بعد الى المجلس الوطني الاعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب ارتفع سقف الخطاب الإعلامي للفعاليات ولم يعد يطلق على هذه الفعاليات حركة المتقاعدين ليحل محلها مصطلح الحراك الشعبي السلمي في الجنوب .
لم يكن يدور بخلد السلطة ان مطالب المتقاعدين تتطور ولم تكن جمعية المتقاعدين تتوقع دخول لاعبين جدد إلى الملعب وبالتالي تنامى وتعاظم الحراك واتسعت قاعدته وأخذ منحنى سياسيا آخر يتجذر بطريقة متسارعة وغدا الأمر أكبر بكثير من القضايا المطلبية للمتقاعدين وتبنى الشارع الجنوبي الهائج طرح القضية الجنوبية كأمر واقع وغدت مطالب الشارع أكبر من قدرات وإمكانيات قادة الحراك .
قابل ذلك تصرفات انفعالية متشنجة من السلطة التي واجهت تلك الفعاليات بالرصاص الحي والقنابل الغازية و الدخانية المسيلة للدموع راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح والاف المعتقلين التي شملت رموز وقيادات الحراك الذين تم اعتقالهم في حمله دهم واسعة لمنازلهم عند ساعات الفجر وجرى نقلهم إلى معتقل الأمن السياسي بصنعاء حيث تم محاكمتهم وسط حضور إعلامي وسياسي ومدني واسع ولم تنكسر عزيمتهم من هذه الأعمال ولكنها خدمتهم وخدمت القضيةالجنوبية ولم تفلح أساليب السلطة في إخماد جذوة الحراك ولكنها زادته اشتعالا وقوت عوده وصلبت بنيته ، ويمكن القول ان ما يجري في الجنوب هو انتفاضة شعبية سلمية مطالبة باستعادة الحق المسلوب جراء حرب 94م ، ويمكن أن يعرف بأنه ثورة شعبية ، والثورة كما يقول علماء الاجتماع (تنشب حين لا تستطيع الطبقة الحاكمة أن تحكم ولا تستطيع الطبقة المحكومة أن تعيش( ويمكن تعريفه بأنه ردة شعبية عارمة على الاندفاع السريع نحو الوحدة الفورية الاندماجية الغير مدروسة .. وهذا الشعور سببه الهزيمة النفسية التي يعيشها المواطن في الجنوب منذ حرب 94م العدوانية الضالمه .
ومن قراءة ما سبق نرى بأن الأمر سيظل هكذا مهما مارست السلطة من أساليب الترقيع لأشلاء النسيج الاجتماعي الداخلي لكيان الوحدة ستضل المعادلة التالية هي السائدة : حراك يتنامى وتتسع قاعدته ويرتفع سقف مطالبه وأصوات تعلو تدعو إلى استعادة الوضع الذي كان قائما قبل الوحدة يعزز ذلك الطرح قناعة أصحابه بأن دعواتهم هذه تستمد مشروعيتها من قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحرب 94م (قراري مجلس الأمن رقم 924 و 931) وكذلك قناعتهم بعدالة قضيتهم التي يعتقدون بأن المجاهرة بها لا تضعهم تحت طائلة القانون كونها تدخل في نطاق حرية الرأي وليس هناك خطوط حمراء في دائرة حرية الرأي والتعبير في كل المقاييس والقيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا .
وسلطة لا تريد أن تعترف بأن هناك قضية اسمها القضية الجنوبية و ليست على استعداد للتخلي عن السياسات الاستعلائية القائمة على الاستقواء والإقصاء والتهميش وعدم الاعتراف بالآخر ولا زالت تستخدم شعار الوحدة المعمدة بالدم وتستمر في ممارسة السياسات التدميرية لكل ما هو جنوبي , وفي الوقت الذي تبدي فيه السلطة انزعاجها من الدعوة إلى استعادة دولة الجنوب وضعها الطبيعي إلى ما قبل 22 مايو 90م ، فإن تلك الدعوة لها رواجا واسعا وتلقى قبولا مباشرا لدى الشارع من قبل كافة المتضررين من النتائج الكارثية لحرب 94م وممن يكتوون بنار الغلاء ومن الأسر التي لا تجد تكاليف الدواء ولا نفقات التعليم ومن طوابيرالشباب العاطلين عن العمل و الأميين الذين يشعرون بأن لا مستقبل لهم مع هذا النظام .
يخطى من يعتقد بان الحراك الجنوبي ترفا او لهوا او نبتة شيطانية او رغبة شخصية لبعض الأفراد او القوى الجنوبية فالمراقب لما يجري في الجنوب يدرك جيدا بان حركه الاحتجاجات الجنوبية هي عبارة عن نضال تراكمي خاضه شعب الجنوب منذ مابعد اجتياح الجنوب عسكريا في 7/7/94م اخذ أشكال ومسميات عده ساعدت على بروز قوى وهيئات جنوبيه أخرى تبلورة جميعها في هيئات ومكونات جنوبيه تتبنى جميعها خيار استعاده الدولة الى ان وصلت إلى ماهي عليه الان من صلابة وقوه ومما زادها زخما ظهور على سالم البيض وما رافقه من حراك داخلي وخارجي يصب في الأساس في مصلحه القضية الجنوبية بغض النضر عن اتفاق و اختلاف البعض معه ففي المحصلة النهائية ان الجميع متفقين على الخلاص واستعاده الدولة وسيأتي اليوم الذي سيفضي التطور الكمي للحراك الى تطور نوعي وستبرز قيادة موحدة تحضى برضا وتأييد كافه القوى الجنوبية في الداخل والخارج تلبي آمال وتطلعات شعب الجنوب في الحرية والاستقلال وهذا لن يتأخر كثيرا فسلوك السلطة وعنجهيتها قد عمل على تضيق الخيارات ودفع بقوه الى بروز دعوات فك الارتباط واستعاده الدولة الذي يتبنها الزعيم الجنوبي علي سالم البيض كضرورة يستمد عدالته من دماء الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين والملاحقين وآلام ومتاعب شعب الجنوب التي تعددت وتنوعت أشكال التعذيب والتنكيل بهم وصلت حد اختطاف جثث الشهداء ومنع مواكب التشيع واعتقل الجرحى ومرافقيهم والمتبرعين بالدم ومنع المشافي من استقبال ضحايا قمع الفعاليات السلمية وغيرها من السلوكيات المشينة التي يندا لها الجبين والتي فاقت ببشاعتها ما ترتكبه قوات الاحتلال الصهيوني شوالخلاصة التي نريد ان نقولها لكل من لا يريد ان يعترف بان هناك قضيه جنوبيه ان الوضع القائم لا يمت للوحدة بصله وان القضية الجنوبية ستنتصر بقوه الحق والوحدة لن تستمر بحق القوة.
أحمد حرمل*
*كاتب ومحلل سياسي
ورقه مقدمه في ندوة القضيه الجنوبيه التي نظمها مركز الحقوق المدنيه بعنوان القضيه الجنوبيه التحديات الماثله والحلول المتاحه والتي اقيمت يوم السبت 25/12/2010م في مدينة الضالع .
إرسال إلى صديق